| تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا الجمعة يونيو 06, 2008 2:03 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ قولي اسم الروايه او القصه وراح اجيبها لكم ان شالله ابي تفاااااعل من الاعضاء | |
|
| |
ملسونة بس مزيونة مشرفة¸…હહ آفـلام انمي صور انمي آفـلامـ كرتون ..][ Anime cartoon ][ ¸…હ
عدد الرسائل : 78 العمل/الترفيه : طالبة رقم العضوية : 25 مزاجي : الدولة : احترامك لقوانين المنتدى : : تاريخ التسجيل : 18/04/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:39 am | |
| ابي رواية خيول الشوق وابي روايةالمجنون امون شوي بس تصبري علي ^^ | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:42 am | |
| - ملسونة بس مزيونة كتب:
- ابي رواية خيول الشوق وابي روايةالمجنون
امون شوي بس تصبري علي ^^ لا عادي قلبوو بس بجيب لك الأولى بعدين الثانيه اوك... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:46 am | |
| الـمجـنــون
رواية المجنون المؤلف :محمد جربوعة تقديم الدكتور: عائض القرني سنة : 2004م – 1425 هـ
هذا الصباح ...وهذه أكواخ القرية المتباعدة...يتصاعد من بعضها الدخان...والصمت المطبق الذي لايكسره سوى ثغاء خروف هنا أونباح كلب هناك..
وللناس هنا بساطتهم ,وأحزانهم...كـان بعضهم يقف أمام كـوخه البسيط يلتحف بطانية من شدة البرد,لم يكـونوا يتبادلون التحية أو الكلام كون المسافة بين كوخ وكوخ كانت كبيرة,غيرأن أعين هذا كانت تترامى لتعاين ذاك أمام كوخه,يشعل نارا,أويقف كهيكل جامد من البرد,يتأمل القرية بعينيه
قرية (خاهزادشي)هذه...كل مافيها-وليس فيها كثير أشياء-يوحي بأنها عاشت المأساة قريبا,وأنها تحاول الآن أن تنسى...أن تتنفس,لكن هاجس الخوف يبقى يقتل في قلبها الأمل,ويكسر فيه محاولة الحياة مرة أخرى
في الجبال القريبة كان الثلج سيد القمم...الثلج أول مستكشف يصل الجبال النائية في المناطق الباردة,ويغرز راياته البيضاء فيها...وبعد ملايين السنين يظهر شخص أو جمع...يجر أقدامه في السفوح تحت العاصفة...يصل القمة منهكا,يركز فيها رايته...ويسجل في مذكراته أنه أول من وصل هناك...غير أن الثلج كان الأسبق
وللثلج هنا علاقة وطيدة بساكني هذه الأكواخ...فهو شمسهم لو كانوا من أهل الصحراء...وموجهم لوكانوا من سكان السواحل
والقمم تبقى قمما...وكانت تبدو غريبة...غامضة...كأنما تخفي أسرارا ضبابية,يؤكدها البعض حد اليقين,وينفيها البعض حد العدم...وبين اليقين والعدم تنمو الأسطورة دائما...سرابا ساحرا
فما الذي تخفيه قسوة تلك القمم مما يبيح للدخلاء بين الحين والآخر قصفها وإمطارها بالنار...؟!
هذه القمم كإنسان المنطقة,غير أنها تلتحف الثلج,وبيدها تمسك ذلك الرداء تحت ذقنها...وتطل على القرية صامتة دون أن تشي بما تخفيه من أسرار...وهكذا هو الإنسان هنا...
وكان كوخها هنا بين الأكواخ...العجوز العربية التي صارت واحدة من أهل القرية منذ أن جاءت مع عائلتها إلى هنا أيام الاحتلال الروسي
أمام هذا الكوخ كانت دجاجات تسرح... تلتقط من الأرض المبللة أقواتها... أم كلب الحراسة فقد كان مقعيا أمام مكمنه يتأمل مجموعة كلاب تراءت له عن بعد,تمرح متتابعة...يداعب بعضها بعضا بعضات أوضربات مخالب,دون أن تتوقف عن الجري...وكان يصدرمن حلقه أصواتا مترددة لاهي نباح ولاهي صمت ,شبيهة بتلك التي تصدرها فصيلته عادة حين ترى صاحبها قادما إليها بطعام...أصوات نفاد صبر...أواشتهاء للطعام...أواستعجال له...أوشيء كهذا.
وفي الكوخ الذي تسرب إليه من الضوء ما لايكفي لإخراج العتمة من زواياه...وفي إحدى تلك الزوايا...كانت هي تجلس...عجوز في السبعين...بثيابها الرمادية الخشنة...وهذا الغطاء الأخضر للرأس,والذي ظهرت من جانبيه على مفارقها خصلات رمادية من الشعر,يغلب عليها البياض
خالة سعيدة...هكذا يدعوها أهل القرية...صغيرهم وكبيرهم...لم تكن تلك الساعة من الصباح تفعل شيئا...ودخلت عليها حفيدتها عائشة...فتاة في العاشرة...متلفعة بأثواب متباينة الألوان,كل ماهو مطلوب من لبسها حماية ذلك الجسد الهزيل من لسعات البرد التي لاترحم...أما رجلاها فكانت محمرتين يميل لونها إلى الزرقة في ذلك الخف البلاستيكي الأخضر...أما على رأسها فكانت تضع لحافها البني المخطط بالبياض والذي لاتملك غيره...وكانت تلف ذيل ذلك اللحاف على رقبتها إحكاما له...وقصدت مدفأة الحطب ذات المدخنة الممتدة عبر فتحة في السقف إلى أعلى وهي تدخل رأسها بين كتفيها,يرتعد رأسها من البرد...وهي تصدر صوتها المرتجف...الذي كأنما ينبع من أعماق روحها المعذبة:أ ح...ح...ح...ح
ألقت أعواد الحطب التي بين ذراعيها إلى ألسنة النار...ثم أخذت سيخ الحديد...وقد علا الدخان,لتعدل وضع بعض الأعواد...ثم ارتكزت على ركبتيها,وقربت وجهها من النار,تنفخ فيها,وقد انتشر الدخان في الكوخ...وانتشرت معه رائحة الحطب...وطقطقات النار في أعواده المبللة
وتلاعبت في وجهها الظلال المنعكسة من حركة النار...ومدت يديها مبتهجة نحو النار كأنها تأخذ منها بعض ما يشيع الدفء في اليدين المحمرتين المتجمدتين...اللتين عادت تفركهما بعد ذلك وهي تقول
جدتي يمكنك الاقتراب من النار...هيا ياجدتي سأفرش لك ذلك البساط هنا قريبا منها...هيا ياجدتي...وهرعت إليها تعينها على القيام وهي تأخذ بيدها,بعد أن بسطت لها ذلك الجلد الصوفي الأسود,الذي كان لهم من كبش أضحية عيد ولى منذ سنوات
وتوكأت العجوز بيدها على ركبتيها,بينما يدها الأخرى في يد حفيدتها,وقامت وهي تطلق تأوها طويلا مصاحبا لقومتها تلك,وقد أتعبتها أدواء المفاصل التي كثيرا ماتشتد عليها في هذا الوقت من السنة
في الغرفة لم يكن غير بعض آنية في زاوية,يقابلها في زاوية أخرى الوسائد والفرش المطوية الموضوع بعضها فوق بعض...وصندوق خشبي صغير فيه ماقد يقال عنه لباسا
وقادت البنت جدتها إلى جهة النار,غير أن الجدة جذبت يدها برفق من يد البنت,كأنما تستل قطعة جامدة من قطعة جامدة...فلم يكن في اليدين من الإحساس المعتاد في تلامس الأيدي شيء...قطعتا خشب كانتا...
-دعيني ياابنتي...سأتوضأ أولا,وأصلي صلاة العيد...
ألم يعد أخوك؟
-لم يعد...مرت ثلاثة أيام ياجدتي ولا أثر
-لاتقلقي عليه ياابنتي سيعود...هكذا هو في كل مرة...كان الله في عونه
-جدتي أين ينام؟ وهل يأكل؟
-عامر ياابنتي مجنون...وللمجانين عالمهم...أعانه الله
-لكن ألا يبرد ياجدتي... ألا يجوع؟
كانت الصغيرة تتحدث عن أخيها بعاطفة أمها التي قتلت مع أخويها في القصف الأمريكي الأخير...وقد أصيب أخوها عامر باختلال عقلي من وقع تلك الصدمة... كان يضع وجهه على الأجساد الثلاثة الممزقة لأمه وأخويه,يقبلها,ثم يمسح عن شفتيه وأنفه ووجهه آثار الدماء وهو يقول
ما الحياة بعد هذا؟ وبعد أسبوع قتل أخوه الأكبر في قلعة (بانغي)...وقال حين بلغه الخبر...انتهى كل شيء...وجن..
جذبت الجدة الباب إلى الداخل تفتحه لتخرج...كان عبارة عن ألواح متلاصقة تجمعها إلى بعض لوحات أخرى تقاطعها مسمرة فيها.ولم تكن الشقق بين الألواح لتمنع ريحا ولا ضوء نهار...
ولعل الضوء آلمها وهي تخرج...فوضعت يدها اليمنى على عينيها...وفركتهما مليا...ثم رفعتها عنهما لتفتحهما تدريجيا تتأمل بهما القرية في صبيحة العيد هذه...
كانت ترتجف كقصبة تبن بدت في لبنة طين في جدار كوخها إن هبت الريح...وأعادت على ذراعيها أكمام ثوبها,وقامت عن الحجر الذي كانت تجلس عليه للوضوء...ودخلت لتصلي...ولتأخذ مكانها حفيدتها للوضوء...وحين دخلت البنت سمعت جدتها تقول في حرارة السجود في برد الكوخ...:ارحم الشيبة والغربة والفقر والضياع...وحفظت البنت لتقول هي أيضا بعد ذلك في سجودها:ارحم اليتم والغربة والفقر والضياع... .ولم تكد تنتهي من صلاتها حتى سمعت وقع خطى تقترب من الكوخ...ويدفع الباب نحو الداخل...ويدخل شخص...وتقول الجدة وهي تقوم إليه في لهفة متوكئة على آلامها وعقود عمرها
-عامر...عامر...جئت ياحبيبي؟
تعال اقترب دفئ يديك ياحبيبي...ماهذه الخدوش في وجهك؟ ماهذا ياعامر...؟
كانت عينا المجنون مسالمتين,واقترب في وجل,كأنه ضيف,أوطفل خجول...حضنته جدته...ثم أجلسته إلى النار وجلست بجانبه,تأخذ يديه بيديها,تفركهما وهي تقربهما من النار, ثم تأخذ يديها تحميهما وتمسح بهما وجهه...وأنهت البنت صلاتها...وجرت نحو أخيها
عامر...عامر...عامر...واستدار إليها فرأت عينيه قد سال منهما خيطان من الدمع...ورأت الخدوش...فسارعت إلى مسحها بخرقة مبللة, ثم صعدت يدها لتفرك بعض الطين اليابس على شعر أخيها, وهي تبكي في صمت كجدتها...
وتأملت شعره, كان أشعث متسخا...وتذكرت الأيام الخوالي...حين كان يقف أمام المرآة يمشطه, وكان أحيانا يطيل تأمل خصلاته معجبا به, لدرجة أن أباه كان يزجره أحيانا, وهو يقول:
هذا من فعل النساء يابني...فلا تمكث طويلا أمام المرآة. وتتذكر البنت أنها كانت تقول لأبيها
-وهل النساء فقط اللواتي يقفن أمام المرآة طويلا؟
فيجيبها:
ياابنتي...إذا رأيت ذبابة فوق المرآة فاعلمي أنها أنثى...وكانت بعد ذلك تضحك وهي ترى ذبابة فوق المرآة وهي متأكدة من أنها إما أنثى أو ذكر مدلل معجب بوسامته مثل أخيها...
-عامر هل آتيك بطعام؟ هه؟ هل أنت جائع؟
وهز رأسه في انكسار دون أن يرفع بصره عن النار...وجرت الصغيرة, وقامت معها الجدة يعدان له بعض ما يذهب جوعه ويشيع الحرارة في جسده, ولم يكن في الكوخ غير قليل من الأرز المتبقي من وجبة اليوم السابق
امتدت يد المجنون إلى الإناء تأخذ منه لقمات متتالية...
وبكت الجدة وهي تتأمل ذلك...أما أخته فذهبت تحضر بعض الماء تسخنه على النار لتغسل له رأسه وأطرافه...
ومسحت اليد النحيفة بارزة العروق الإناء ثم وضعته جانبا...وسألته جدته
-هل شبعت ياحبيبي؟
ولم يجب...غير أنه لم يكن عندها ماتقدمه له آنذاك, لذلك قالت: عندنا بعض البيض...سنسلقه للعشاء...وهز الشاب رأسه...كان في الخامسة عشر من العمر...يحفظ القرآن الكريم...والكثير من المتون...وينظم الشعر كأبيه...
ووضعت جدته يدها على رأسه, وجذبته إليها, فتوسد حجرها قرب النار...وكانت تمرر يدها على كفه بلطف وحنان, تلامس فيه أباه... ابنها الغائب...ذلك الذي يمزقها الشوق إليه...
وأحست بغفوة المجنون الطيب فقامت برفق...جلبت وسادة...وضعتها تحت رأسه, ثم قصدت الصندوق الخشبي...أخرجت منه ثوبا أزرق بلون البحر...قربته من وجهها...شمته ثم ضمته إلى صدرها...وعادت إلى مكانها الأول في الزاوية...وضعت الثوب في حجرها...وعصرت عينيها, فتحدرت منهما حبات ماء تعلقت برموشها, وتنهدت وهي تقول:
-سليمان...ولم تزد...
ولعل حفيدتها كانت قد سمعتها وهي تدلف من خلال الباب حاملة إناء كبيرا مملوءا ماء وهي تقول:
-عامر...ها قد..
ونهرتها جدتها
اس...س...س...س...إنه نائم...وتوقفت البنت كأن الجدة قد روعتها...ثم عادت تخطو كالمرعوبة برفق نحو النار لئلا يفيق أخوها الذي من الواضح أنه لم ينم من ليال .
وفعلا فما كان من الممكن أن ينام عامر في عراء وبرد خرابات تلك البيوت المهدمة القريبة من المقبرة والتي يؤمها كلما هزه الشوق لأمه وأخويه ليقضي أياما هناك يحدث شاهدات قبورهم, وينام قريبا من قبر أمه محتضنا إياه بحثا عن حنانها, خاصة حينما يعصره الحزن والألم...أو يؤذيه الآخرون...ويرميه الصبيان بالحجارة وهم يتصايحون حوله في مرح:
المجنون...المجنون...المجنون...
وعلى قبرها وقبري أخويه كان يريق الكثير من دموعه
في ظلام وبرد الليالي...
وضعت البنت قدر الماء على الأثافي فوق النار ثم عادت إلى جدتها تسألها:
-جدتي...هذا ثوب أبي أليس كذلك؟
قالت الجدة وهي ترفع بصرها المتهالك نحو حفيدتها:
-نعم ياعائشة ثوب أبيك
-ومتى يأتي أبي ياجدتي؟
-قريبا إن شاء الله يابنيتي.
-جدتي ماذا قال لك في الرسالة التي بعث بها إليك منذ يومين؟
-قال إنه بخير, وإنه سيعود قريبا...وإنه يوصيكم بالصبر والمحافظة على الصلاة وقراءة القرآن...ويوصيك أن تهتمي بعامر...
-جدتي سجن كوبا بعيد؟
-بعيد جدا ياابنتي.
-وماذا فعل أبي ليأخذوه؟
-لاشيء..لاشيء ياصغيرتي. تعالي تعالي إلي...
واقتربت الصغيرة من جدتها فأخذتها إليها وضمت وجهها
الصغير إلى صدرها الذي تملأه الحرائق والدخان...تعطيها قليلا من الحنان تخرجها به من جليد الأسئلة المريرة...
واستكانت البنت في حضن جدتها كعصفورة مبللة...
*** | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:49 am | |
| هذا سجن غوانتانامو...السيرك الذي أقامته العنجهية هنا...على أرض كوبية مسلوبة...بأناس سلبتهم هم أيضا حريتهم...وفي الأقفاص الحديدية بشر اقتيدوا من منازلهم,لاحيوانات مفترسة اصطيدت في جبال قندهار وتورا بورا وجيء بها لتروض هنا...كان المكان خلية نحل...تكبيرا وحمدا وتهليلا...وسليمان هذا القابع المستند إلى سلك قفصه...المغمض العينين, المردد:الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله...الله أكبر الله أكبر ولله الحمد...
أحد الحراس يلقي سمعه مذهولا...لقد هزته عقيدة هؤلاء منذ أن جيء بهم إلى هنا...لقد كان طوال شهور ماضية يحاول أن يرى منهم مايجعله يصدق مسؤولية أن هؤلاء أشرار...سيئون...غير أنه كل يوم يفاجأ بالعكس...كانت نفسه تتوق إلى معرفة ما يقف وراء هذه الأخلاق والثبات...كان يرى النتيجة ويطمح إلى معرفة مقدماتها...وكيف تفاعلت لتعطي كل هذا...ولذلك قرر أن يعرف الإسلام...وصار من زوار مواقع الإنترنت...وشرح الله صدره وأسلم...جون...هذا اسمه...كانت شفتاه تتحركان مع شفاه إخوته المسجونين...:
الله أكبر وحده, صدق وعده, ونصر عبده, وأعز جنده, وهزم الأحزاب وحده, لاإله إلا الله ولا نعبد ربا سواه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون...
أحس بعظمة الله الذي تتغير الأحوال ولا يتغير الاعتقاد به, ومن فرج إلى شدة تبقى العبادة مصروفة له وحده...وتمنى أن يكون واحدا من هؤلاء المسجونين...تمنى أن يخرج كل ليلة بعد منتصف الليل إلى حصص العذاب المنتظمة كما يخرجون, وأن يرجع إلى زنزانته بمائة جرح نازف, يحمله بينهما جنديان إلى قفصه...
لقد قطع المسافة بين الباطل والحق, لكنه لم يقطع المسافة الأخرى بين أهل الباطل وأهل الحق, لذلك كان يعيش التناقض...كان يقول في نفسه...حق هؤلاء باطل عند أولئك...وحق أولئك باطل عند هؤلاء...فما الذي يفصل الأمر بينهما...أهو القوة؟ إن القوة تجعل الضعيف يسلم بقوة خصمه, لا بحقه...الفاصل هو الحق ذاته...الحق الذي من عند الله لا من عند البشر...ولئن كانت الأيدي الآثمة طوال قرون قد تلاعبت بما في الكتب المقدسة الأخرى, فإن القرآن بقي محفوظا...وهو الأخير...وإذا كانت كل الكتب من عند الله...فإن الأولى هو اتّباع الكتاب الأخير منها, ففيه خلاصة مامرّ وزيادة...ولئن كان الناس اليوم زاهدين فيه, فقد كانوا في الأمس محكومين برحمته ونوره وعزته, حين ملأ الدنيا في عهد النبي محمد صلى عليه وسلم, لذلك لا يهمّ هوانه اليوم...إذ أن الذهب يصعد ثمنه وينزل بين يوم وآخر, غير أن قيمته هي هي...لا تنزل مع نزول ثمنه...بل الذي ينزل هو اهتمام الناس به... كان مسؤول الدورية, يقف أمام جون, يكسر عليه تفكيره وذهوله:
-انتبهوا جيدا...اليوم عيدهم...تذكروا دائما أنهم مجرمون وقتلة.وتلاشت الكلمات باردة لامعنى لها على قدمي الجندي الحارس, وأحس بالملل تجاه هذه الجمل التي ما فتئ المسؤولون في المعتقل يردّدونها على أسماع الجنود...وكان يراها جلودا فارغة يحاول قادته نفخ الروح فيها...غير أن كل ما كانوا يفعلون هو أن ينفخوا فيها ريحا...لذلك كانت تكفي مسكه من عقل ليدرك الإنسان الفرق بين الجلد الذي فيه صاحبه, والجلد المملوء هواءا أو نخالة...
وبدأت أصوات الذكر تتناقض, وتهدأ...حتى صمتت, وحل محلها هذا العناق والتحيات, والإشارات بين مسجوني الأقفاص:
-(تقبل الله منّا ومنكم)..(غفر الله لنا ولكم).
كان سليمان في تلك اللحظات يحاول جاهدا الفكاك من عالمه ذلك, بحثا عن خلوة يغيب فيها في عالم آخر...يرى فيه وجه أمه وأبنائه في صبيحة العيد هذه...
كان يريد السفر بفكره إلى هناك, يدخل عليهم الكوخ...يضمهم...ويقول لهم كلمة,تطمئن قلوبهم المتعبة التي ناءت بالحمل وهدتها الصدمات...
وعادت إليه صورهم لآخر لحظة تركهم فيها...كانوا يتمسكون به, ويتعلقون بثيابه...وأخذ من بينهم.
كانت يداه ممتدتين نحو أمه, يقول لها:
لا تقلقي سأرجع...اهتمي بنفسك وبالأولاد...
وكانت هي أيضا ترى أنه سيرجع...وماكان هنالك من سبب لاعتقاله أو قتله...فقد جاؤوا معه إلى هذه القرية أيام الاحتلال الروسي...وجاهد جهاد من يرجو عزة الإسلام والدار الآخرة...وأصيب مرات عدة...وكتبت له النجاة...وبعدها لزم بيته في هذه القرية, يدرس أبنائها القرآن والسنة واللغة العربية...وفي خلواته ينظم الشعر...لذلك قالت له أمه:
سترجع ياولدي سترجع.
كان نباح الكلب حينها شديدا يثير نباح كلاب القرية كلهم...وكانت الليلة ليلة غزاة...
ومر يوم ويومان وثلاثة ولم يرجع...وعرفت العجوز الطيبة أن الظلم لايحتاج إلى مبررات أوأسباب ليقع...وإلا لما كان ظلما...
وحين بدأ اليأس من رجوعه يداخلها كما تداخل حبات الظلام ضوء المساء فتغبشه قالت لنفسها:
ليتني قبّلته...أو ضممته...ليتني قلت له:
اتـرك عنوانـك يـاولـدي
أولمسـة كـفّـك فـوق يـدي
فغـدا أشـتاق ولـيس معـي
لليـالي الفرقـة مـن جلـد
كان إخوانه في الزنزانة يعرفون أنه يبحث عن لحظات هـدوء..وأنه الآن يتمزق في دروب القصيدة بين وهادهـا ونجودها...ويحاول أن يدخل من سمّ الخياط مرة ومرة ليصنع أبياته.لذلك رحموا عذابه ذاك...وهدأوا...يتأملونه في لحظات المخاض الصعب...لحظات الإلهام...لحظات الميلاد وخروج القصيدة من رحم الوجع...
تنهد سليمان تنهيدة طويلة...ووضع القلم إلى جانبه...
-الحمدلله...
-ذكر أم أنثى ياسليمان؟
-بل, ألم يا أبا جابر...
-أتشنّف أسماعنا؟
-بل أعصر قلوبكم...
-وما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها...
-اقرأ يا أخي...اقرأ...
ورفع الورقة أمام عينيه يتأملها...ليدخل في سمّ خياطها مرة أخرى...ومنذ دقائق كان يحوّل وجعه إلى حروف...أما الآن فهو يحول الكلمات إلى صوت...بعكس ما فعله السومريون الأوائل حين اكتشفوا الكتابه لأول مرة وحولوا أصواتهم المنطوقة إلى حروف يحفرونها بأزاميلهم فوق الحجر...كان يتأملها منكسرة محبطة...تتوسد ذراعها المبلل بدموعها في الكوخ القابع في البرد تحت الظلام...ليلة العيد...تتأمل الذّبالة الضعيفة لمصباح الزيت...وهو يناديها من خلف المسافات:
-أطفئي المصباح نامي لن أعود...
فتقوم متهالكة تنفخ الشعلة الضعيفة...وتعود إلى فراشها كتلة متقطعة من جبل الحزن...ويقرأ الفتى السجين لإخوانه هامسا:
أطفئي المصباح, نامي لن أعود ودعـيني الآن في نار القصيد
واتركـي كـأسـي بلاشـاي في كؤوس الغير إنّ اليوم عيد
تمنّـيني قريبا كـي تعيشـي ورغم أنّي ميّت خلف الحـدود
أمّ, ولتطوى ثيابي...خبّئيهـا خبّئي نعلي وسروالي الجـديد وانقضي ماقد نسجت الأمس, انقضـي غزل انتظار لايفيـد لست أدري مـا أقول...العمر ليس لـي, آه سوى عمري
هل سأمضيه بلا قبلات أمّ تنبت الـورد على صـخر
هكذا في الريح أبقى كجواد راكض,أعيته عضات القيود
أضبط الوقع على قطرات غير أنّي لست يأمّي شهيد
والمحطـات إذا جئت إليها ذبحتني من وريـد لوريـد
فأنا المذبوح, لكن مادليلي؟! ليس لي حق ولا عندي شهود
اسمعيني...مر عامان وعام
كلّمـا قلت (كفـى), جــاء
فاعذريني إن أنا ضاع جوابي
وضـعي اللـوم على سـاعي
ربما ضاعت حماماتي...احتمال
مثلما ضعت...وما ذاك بعـيد
إنني الآن أحس الكون سمّا
في خيـاط..ثقـب زرلا يزيد
فضعيني بين كفيـك كطير
أخـرجيني بين أكـوام الجليد
واسأليني... ولما لا تسأليني؟!
فرجـاء اسـأليني ما أريـد
اكسـري القوسـين حـولي...
وانقليني أنت للسّطر الجديـد
أو أنـا طير جـريح لايغنّـي
فاصنعي لي فوق منقاري نشيد
لاتقولي:عد سريعا ياصغيري
لا تقولي:عد أيا هذا العنيـد
فأنا صرت كبيرا مثل حزني
مثـل شـوقي واحتراقـي في
أزرع الظّـل على كلّ دروبي
ربما تنمو ظلالي كـــورود
غير أني دائما في كلّ صيف
أحصد المـزروع خطوات شريد
مـا تقولين؟ وما رأيك أمّي؟
مـا الذي أجنيه مـن هـذا
أأناديك؟ بماذا؟كـيف؟قولي...
ليس لي ياء وخـانتني المدود
كلما قلت:أعود اليوم,نادى
قدري: كلاّ وربّـي لن تعـود
كلما قدمت رجلا عدت عشرا
لا أجيد العود حقـا لاأجيـد
ربّمـا آتي, ولكن ليس وعدا
فأنــا لا أملـك الآن وعود
وما كان يملك نصف وعد فعلا.. | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:49 am | |
| حينما فتح عامر عينيه كانت النار قد خبت...ولعلّ إحساسه بالبرد هوالذي أيقظه, إذ لم يمر على نوم أكثر من ساعة,وهو لم ينم فيما يبدومنذ ليال...وتحوّل إلى جنبه الآخر معطيا ظهره للنار...وانتبهت جدته وأخته إليه...
قالت جدته: -هل نمت قليلا ياحبيبي؟
ولم يجبها, كما أنه لم يحول بصره عنها...ولما رأت ذلك منه قامت ومشت خطوات حيث هو, وجلست إلى جانبه...
-جدتي الأرض باردة...افترشي هذا...قالت عائشة ذلك وهي تناول جدتها البساط...وأخذته الجدة منها.
كان في عيني عامركلام كثير قرأته جدته فيهما حين كان مستلقيا أمامها على ظهره يحملق في السقف... وقالت وهي تعبث بشعره:
-عامر هل تريد شيئا؟
وابتسم لها بسمة هادئة بريئة...وطرفت عيناه بهدوء...ورأت في وجهه الوداعة...وأعادت سؤالها ووجها إلى وجهه:
-هل تريد شيئا؟
ولم يجب...لذلك راحت تغني له أغنيتها التي كانت تغنيها له صغيرا لينام, دون أن تخرج يدها من شعره...
كانت تذهب بصدرها ورأسها وتجيء متابعة لحن أغنيتها الهادئة...وفاجأها:
-جدتي...
-نعم يابني.
-هل...
وسكت...وانتظرته قليلا, لكنه لم يتكلم...
-هل ماذا يابني...؟
وصمت قليلا...فجرت أخته إلى جانبه تنظرمايقول:
وهي تسأله: تكلم ياعامر...ماذا تريد أن تقول؟...كانت تريد أن تخرجه من صمته الطويل القاتل...ولعله كان يقاتل من أجل أن يخرج ماعنده...لذلك نجح في كلمة وغلبته التي بعدها متمنّعة...فاستسلم مهزوما...وماكانت أخته لتفلته وهي تعرف طبعه...فلا بد من إعانته على كسر جدار الصمت الذي تتخفى وراءه الكلمات والجمل...
-ماذا ياعامر؟...أكمل...تكلم...
كانت تقول له ذلك بلطف ورحمة وهي تتأمل عينيه...
ونطق...:
- جدتي...كيف قتل أخي خالد؟ | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:51 am | |
| -ولماذا تسأل يابني؟ لقد قصصت عليك ذلك ألف مرة...
وصمت الفتى...وأحست جدته بالندم يعصرها, فلعلّها قست عليه بامتناعها عما طلب...وخطفت إليه نظرة فإذا هو يضغط على أسنانه مغمض العينين... ربما كان الآن يعيد تخيل ماقصته عليه جدته...وتحركت يدها الدافئة إلى ذقنه تداعبه...وفتح عينيه مبتسما...وابتسمت له جدته,ثم نظرإلى عائشة فإذا هي تبتسم واضعة مرفقها في حجرجدتها متكئة عليها, مائلة نحوها ونحوه مدنية وجهها من وجهه... :
-خالد؟ إيه...قالت ذلك بتنهيدة طويلة...كان طيّبا مثلك...كان المساء, وأرسلته يشتري بصلا وخبزا...ألقوا عليه القبض عائدا...أراد أن يفهمهم أني أنتظر منه ماأرسلته من أجله لإعداد العشاء...ضربوه على وجهه بأخمس رشاش فشجوا جبهته, وجرحوا أنفه...هذا ماقاله الذين شاهدوهم يلقون عليه القبض...وانطلقت به شاحنة نحو المجهول... .
قال المجنون وقد أحس بالعطف على أخيه: وهل أخذ معه الخبز والبصل ياجدتي؟
قالت الجدة: ولماذا ياحبيبي؟
قال ببراءة: ليأكل إذا جاع, فربما لايقدمون له طعاما.
أخذوه وخرجنا نسأل عنه...وبعد يومين جاء أحد الجنود إلى قريب له هنا في قريتنا...كان يعرف خالدا...رآه عدة مرات حينما كان يأتي لزيارة قريبة ذاك من قبل... قالت البنت: - وماذا حدث ياجدتي؟
أخبر الجندي قريبه أنه رأى خالدا في قلعة بانجي مع الأسرى...كان حافيـا,حاملا فردة واحدة مـن نعله البلاسيتكي...قلبي عليه...لـ...
وقاطعها عامر:
-بالتأكيد كان يحس بالبرد في رجليه...
وأكملت الجدة دون أن تعلق على قوله:
-وكان حاملا كيس الخبز والبصل...منكمشا في زاوية إلى جانب أحد إخوانه...لعل المسكين كان يسأل صاحبه:
-هل سيطلقون سراحنا؟ أوربما شكا إليه البرد الشديد الذي تجمدت منه رجلاه.
قال الجندي: ثم قيل للأسرى وكانوا قرابة(600): هيّا انطلقوا فأنتم أحرار...لقد كانت الجريمة في حاجة إلى مبرر لحدوثها وانطلق المساكين ليبدوا كأنهم يريدون التمرد والهرب,واخترقهم الرصاص...
-الكـــــــلاب.
قالها عامر وهو يضغط على الكلمة لغيظه...ثم انتفض واستوى قائما يمشي نحو الباب...
تبعته جدته وأخته تحاولان الإمساك به...وفي المنحدر رأتاه يجري لايلوي على شيء...
-عامر...عامر...
نادتاه, لكنه كان قد ابتعد...وجلست الجدة مستندة إلى جدار الكوخ, بينما بقيت البنت إلى جانبها واقفة على رجل واحدة, بينما كانت قدمها الأخرى موضوعة على الجدار خلفها, وأتبعتاه بصريهما... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:52 am | |
| في الخرائب القريبة من المقبرة كان المجنون يشعل ناره...ويجلس محتضنا ساقيه, واضعا ذقنه على ركبتيه... يتأمل اللهب الذي انعكس في بؤبؤيه متراقصا, يعلو تارة وينزل طورا...لكنه لايخمد...
كانت الأفكار تكتظ في جمجمته, وتضغط عليها بشدة...لقدكان آمنا في سربه...يعيش مع عائلته سعادة البساطة, وفرحة اللقاء كل مساء حول موقد الحطب...إلى أن جاء الغزاة فدمروا فرحته...قتلوا أمه وأخويه الصغيرين...وأسروا وقتلوا أخاه خالدا, ثم أخذوا أباه بعيدا عبر مســـــــافات تبدو على الخريطة طويلة,فما البال بالحقيقه والواقع.
والآن يلتفت حوله فلا يرى مايمكن أن ينسيه المأسـاة...فماذا بقي له في الدنيا...؟!
إنه يتذكريوم قصف بيتهم ليلا...وداهمهم لهب النار...كان منطرحا على الأرض ينظر من خلال الدخان إلى الأجساد الحبيبة, تحت الركام...وزحف والدماء تسيل من ذراعه ووجهه...اقترب من جثة أمه...كانت هامدة لاحراك فيها...مد يده يرفع حجرا عن وجه أخيه الصغيرعمر, ولم يجدلنصف رأسه أثرا, وإلى جانبه كانت أخته خولة في آخر لحظات عمرها القصيرالمغدور وهي إبنة الأربع سنوات تحاول أن تفتح عينيها في الوجه الذي غطاه التراب...وهي تقول:أريد أمي....
قام مغتاظا كالملسوع...يطفئ النار بقدميه, يطأ أعوادهـا وجمرها بحذائه وهو يصرخ:الوحوش...الوحوش...الوحوش وكان كأنما يحسهم في النار تحت قدميه,فيزداد وقعهما عليها...
مشى إلى باب الخرابة...وقف يلهث بشدة..ثم جرى نحو القبور...اقترب من قبرأمه مطأطأ رأسه في سكينة...خطوة...خطوة...ثم تهاوى على ركبتيه...ضغط أسنانه مغمضا عينيه, وهو يصرخ هازا قبضتيه يرجهما رجات انقباض وغضب...وبكى ساعة...ثم نادى أمه...وأخويه كل واحد باسمه:
-أمي...عمر...خولة...سأغيب هذه الأيام...ربما لاأعود إليكم مرة أخرى...
كان القمر يبدو من خلال السحب ويختفي...يبدو قليلا ويختفي كثيرا...وكان صوت الريح يزيد من وحشة المكان... وكان واقفا بأسماله البالية أمام قبورهم... وهمّ بالانصراف وسقطت من إحدى عينيه دمعة ساخنة على قبر أخته الصغيرة...التهمتها شفاه التراب...وأمام مدخل المقبرة استدار متأملا المكان...لم تودّعه كما هي عادتها...ولا أوصته... ولعله لمعرفته بحنانها الذي يبلغ المستحيل,كان ينتظر منها ولو في آخر لحظة...ولو وهو عند الباب يغادر...أن تناديه...تقول له اهتم بنفسك, أو كان الله معك...أو...كلمة...كلمة فقط...وألقى السمع لعل الكلمة تأتيه بين صفير الريح...أبطأ المشي قليلا يعطيهما فرصة أخيرة...استدار...وأدرك أن الموت لاشك أكبرمن حنان قلبها...وإلا لكانت قالت شيئا... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:53 am | |
| والذين يجرّدون الإنسان من صاحبة أدفئ قلب وأحنّ نظرة ...من أمه، ظلما...ثم ينقلبون ضاحكين، يحتسون النّخب، ويتحدثون عن العدالة والسلام والمحبة والقانون يتساءلون لماذا يكرههم الآخرون...هل يدركون أي حزن يعصف الآن بقلب الفتى...؟!
ولعله لم يستطيع أن يبتعد أكثر، فعاد إلى الداخل نحو القبور يجري...وتوقف لاهثا يقول:
-أمي نسيت أن أقول لك شيئا...لقد جننت يا أمي... وغلبه البكاء.
جرى إلى الخرابة يبعث الحياة في الأعواد التي أخمدها، وعلى الجدار تلاعب ظله باشتعال عود الكبريت في يده... كان البرد شديدا يمزق جسده، آتيا من قمم الجبال محمََََََلا بنسمات ثلجية لاسعة...
واقفا كان يبسط يديه للنار ثم يعود يفركهما، ثم يبسطها مرة أخرى...وحين أحس أنهما قد لانتا وصار بالإمكان إمساكهما بما سيأخذ من الزاوية...جرى يلتقط سيخ حديد، يحفر به الأرض...كان ظله قد انتقل إلى جدار آخر بانتقاله هو عن مكانه الأول حيث أشعل النار...كان يحفر بتوتر وغضب...وسمع وقع خطى، ثم أحس شبح كائن يسد باب الخرابة، ورفع بصره فرأى من خلال ضؤء النار وجه الداخل تتلاعب الظلال فوقه...
- شوكور؟! قالها المجنون باستغراب.
ورد الآخر:
- السلام عليكم يابني.
ولم يكن شوكور سوى إمام مسجد...أبيدت عائلته هو أيضا في القصف للقرية...وكان هو آنذاك في المسجد يؤم الناس لصلاة العشاء... وتهامس الناس أن قصف بيت الإمام مقصود كونه يقع منفردا نائيا...وقبل قصف بيته بثلاثة أيام كان شوكور قد قال في خطبة الجمعة كلاما لم يعجب الغزاة، فاستدعوه لذلك، لكنه لم يمتثل، وقد هرب رغم عقود عمره الثمانية التي لا يكاد يقوم بها إذا جلس، ولا يكاد يمشي إذا قام...ثمانون سنة يجرها خلفه متعبة ثقيلة...وقال لمن سأله عن عدم امتثاله للاستدعاء: جسمي ضعيف لا يطيق تعذيبهم وقد رأيت ما فعلوا بغيري... ولم يقل الشيخ شوكور في خطبة الجمعة شيئا سوى مارّد به على أقوال الذين يقولون أن كل الحدود الدينية ستسقط بزوال طالبان...من حرمة سماع الغناء، إلى وجوب لبس الجلابيب للنساء،وقال الشيخ في ردّه أن أفغانستان أرض إسلامية، والعقيدة متجذرة في أرض أفغانستان تجذر جبال قندهار...وعلى الغزاة أن يفرّقوا بين ماهو من عند طالبان وما هو من عند الله، وعليهم أن يعلموا أن الذي ظهر منهم هو أنهم يحاربون الإسلام لاغيره...
لم يكف عامر عن الحفر حين رأى الشيخ شوكورا الذي تقدم نحو النار يبسط كفيه نحوها، وهو يقول:
- لماذا أنت هنا يا عامر؟
- كان الصبي جاثيا على ركبتيه يزيل التراب بيديه...واكتفى بأن رفع بصره نحو الشيخ دون أن يقول شيئا...ثم عاد إلى عمله...
وقام الشيخ إلى حيث المجنون:
- دعني أعنك...ودفئ يديك قليلا...هيا...هيا...وحاول الفتى أن يمتنع لكنه استجاب لإلحاح الشيخ...فقام إلى النار، دون أن يرفع عينيه عن الحفرة التي كانت يد الشيخ ترفع منها ما بقي بها من تراب، وتتلمس ماظهر فيها ...كيس بلاستيكي أسود...حاول الشيخ استخراجه...كانت جوانب الحفرة أضيق من أن يتسنى ذلك...لذلك ذهب يوسّع الحفرة...وأخرجه مستعينا بعامر...
- ما هذا يا عامر...؟
مد الفتى يده إلى الكيس صامتا...نفض عنه غباره، وأخرج رشاشا ومسدسا...وثلاث قنابل هجومية...وفي دهشة انفتحت عيون الشيخ أكثر...ولسانه لا يفتأ يردد:
ما هذا؟...ما هذا؟...يا إلهي...ما هذا؟!!
أما المجنون فأحس بنشوة كبيرة، وهو يتفحص أشياءه تلك، ولم يقل له الشيخ كلمة...فقط انزوى في زاوية قرب النار فرش رداءه، واستقبل القبلة.
كانت عينا المجنون تخبئان أشياء وأشياء، وكان آنذاك يختار دربا...ويخطو فيه أولى خطواته...كان يقول لنفسه:
ربما يخسر غيري إذا اختار هذا الطريق، أما أنا فقد بلغت خط النهاية وليس لي ما أفتقده بعد هذا...وليس بعد النهاية إلا البداية...وسأصنع ميلادي من موتي....
ربما لم تكن فكرته تصلح لأن تصدر من مجنون، كانت أكبر من مخ تالف...لكن الظلم يحرك الحيوانات التي لاعقل لها للانتقام والرد...
وبحركة سريعة التف الفتى بردائه بعد أن خبأ تحته ما استخرجه من الحفرة...وعند الباب التفت إلى الشيخ فرآه ساجدا، فلم يقل له شيئا، ومضى مسرعا يغوص في بحر الظلام مثلما كان الشيخ آنذاك يغوص في بحر النور يدعو: أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، وأن تحفظ هذا المجنون الطيب. ---------------------------- ولقصة المجنون بقيه!!! | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:54 am | |
| أدنت عائشة الملعقة إلى فمها، وكأنها حينذاك تذكرت شيئا يجب أن تقوله...وكان عليها أن تبادر إما باللقمة أو بالكلمة، واختارت الكلمة...ولم تكن تعرف أن الكلمة عزة...بينما لقمة العيش تقيد أفرادا وشعوبا وتُعلقهم في حاملة مفاتيح الأسياد المتحكمين...الذين يبسطون أيديهم فيكاد يشبع أبناء الفقراء...ويمسكونها فيتضورون جوعا...
- جدتي...لو أننا تركنا ديننا، هل كانوا يحاربوننا ويقتلوننا ويشردوننا؟
- لا يا ابنتي...الله يقول:"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم." فإذا تركنا عقيدتنا صِرنا منهم...
وعادت البنت للاستفسار:
- وإذا تركنا لهم القدس يا جدتي وما يريدون من أرض وحق وخيرات، هل سيكرهوننا؟!!
- بالتأكيد لا يا ابنتي.
- لكن يا جدتي إذا تركنا ديننا وأحبونا هل سيحبنا الله أيضا؟!!
- الله لا يحب الكفر والتنازل عن الحقوق.
قالت البنت:
- وهل سيكون هناك مجاهدون وشهداء؟
- لايا ابنتي.
- إذن ما طعم الحياة يا جدتي...إذا لم يكن الله يحبنا، ولم يكن فيها شهداء؟!
أتعرفين يا جدتي؟!!
وتأملتها جدتها جيدا...تأملت براءتها وهي تقول بحنان:
- ماذا يا حبيتي؟
- أنا دائما أتمنى لو كنت مت أيضا مع أمي وإخوتي لأذهب معهم إلى الجنة... ونلتقي هناك ونلعب ونفرح...ونكون معا لا نفترق أبدا...
وضمتها جدتها إليها...كانت تُحِسُّها كتلة تداخلت فيها العقيدة وبالبراءة، فلا تكاد تنفصل عنها... وهكذا...فحين تمتزج العقائد بالقلوب يصعب اجتثاثها...لأن القلب ساذج لا يحسب ولايُقدّر... بينما إذا امتزجت بالعقول فقط كان من السهل القضاء عليها...لذلك يكون من التضحيات عند البسطاء ما لايكون عند أصحاب الفكر.
كانت الجدة ترى بقية من الأسئلة في عيني حفيدتها لذلك انتظرت سؤالها الآخر:
- جدتي...نحن...لماذا جئنا إلى هنا وتركنا أهلنا...؟
- جاء أبوك للجهاد...وجئنا نرافقه...
- ألم يكن من الأولى ترك الروس هنا يا جدتي؟
وفوجئت الجدة بسؤال البنت، لذلك انتفضت قبل أن يكتمل...والأشياء المؤلمة تؤلم بمطلِعَها...لا بتمام وقوعها...
- ما هذا الذي تقولين يا بنت؟!!
جاء المسلمون العرب، تركوا وراءهم قلوباً تحترق، وأكباداً تتفتت، وقدموا هنا أرواحهم رخيصة ...ولما خرج الروس استقدم أهل البلد غيرهم...فما الفائدة إذن...؟!
كانت الفكرة قد هزت الجدة...وبدأت تتغلغل في جوانحها...لكنها كانت تطردها عنها، كذبابة مزعجة تهشها بيدها...غير أن الفكرة كانت أقوى...وصمتت الجدة مصدومة تفكر في كلام البنت الصغيرة...أمَعَهَا حقّ؟!.. وإذا كانت عند شعب ما قابلية للاستعمار، أونزوع إلى العيش تحت السيطرة، فلماذا يضحي المضحون لإخراج زيد؟!...أليستقدم الشعبُ بعدهُ عمرو...؟!!
هؤلا ء المجاهدون المسلمون العرب الذي نُكل بهم عند دخول الغزاة الأمريكان...من نكل بهم أكثر من الأفغان ذاتهم؟ أوَ هكذا يُعاملُ الضيفُ والنصير؟! فأي إسلام هذا الذي يبيح للمضيف قتل ضيفه المسلم المجاهد؟!...ومن أجل ماذا؟ من أجل إرضاء العدو...؟!!
وإذا كان سكان البلاد يرونَ في العرب غزاةً استحوذوا على ما كان يجب أن يكون لهم...فلماذا يقبلون بالغازي البعيد الذي يستفز جنودُهُ نساءهم في الطرقات، وينتهك حرماتهم في البيوت عند مداهمتها؟!!
فكم من فتاة اعتدي عليها وأُفقِدت شرفها...أيَهُمُّ ذلك والأرض ذاتها فقدت شرفها...؟
وما الغريب في من يفتح أرضه للغزاة أن يفتح لهم الباب على بناته؟!!
فهل أخطأ المجاهدون حين جاؤوا لتحرير أناس يظهرون اليوم بعد دخول الغزاة أمام كاميرات القنوات الفضائية يدخّنون بنشوة المنتصر ويلوّحون مقهقهين أمام سخريات وهُزء أحرار العالم الذين يرون في تلك الوجوه المجعدة ذات الأعين الضيقة الحادة وجوه بائعي ذمم أغبياء مغفلين؟!...فهل كان جند الله في المعركة الخطأ بحساب الدنيا،لا بحساب الآخرة؟! أم أن هؤلاء الغرباء الذين جاؤوا تسوقهم نخوة الإسلام، وتدفعهم الغيرة على عقيدته وأهله، والذين امتلأت بهم مقابر القمم والسفوح، كانوا يريدون الجنة ويتخذون من أرض أفغانستان طريقا للمعراج إلى جوار الصالحين الذين اجتازوا البرزخ، لا أرضا للحياة...؟!! ــــــــــــــــــــــــ ولقصة المجنون بقيه... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:55 am | |
| أفغانستان المتناقضات...مفترق الطريق إلى الله والطريق إلى الشيطان...الجنة والنار...الوفاء والخيانة...القمة الشامخة والقعر السحيق...الموت والحياة...الحياة والموت...قاتلة الضيف...مُؤوية الدخيل...مقبرة النصير...مضافة المستعمر...والحرية ليست رداءً تلبسه الأجسام وإن كانت معجونة من طين العبودية...الحرية...طينة تأبى العبودية وتحرق أثوابها إن هي ألبستها...لذلك يكون من الخسران الموت من أجل عرض بغي ترفض الدفاع عنها...وتستلقي إذا قُتل لها خليل، في حضن خليل آخر.
فلماذا يريق المسلمون بطيبتهم في كل مرة، دماءهم في فجاج تنكرُ النخل وتنبت الغرقد...؟!! والأرض التي لا تقبل النخل، وتقتله تربتها يكون جهد غرس فسيلةٍ واحدة منه فيها مضيعة...
الصمت يحيل الكوخ عالمين أحدهما للجدة والآخر للبنت...ووجبة الأرز المغلي في الماء بينهما قد بردت... وكان الأمر كما كان دائماً حين تمنع الأفكار أهلها من لقمة العيش أو من الحياة ذاتها أحياناً.
وعادت البنتُ من عالمها إلى الكوخ الذي أرادت أن ترجع جدتها إليه من عالم أفكارها.
فسألتها:
- جدتي فيما تفكرين؟
- لا شيء يا ابنتي.
كانت الجدة تفكر في كل شيء...ورفعت إلى فمها لقمة لا كتها بمرارة كما يلوك الواحد كبد حبيب له مُكرهاً...
ودوى في الأرجاء طلق ناري...هاجت معه الكلاب بنباحها...ومن بعيد ترامت صرخات نسوة... وخرجت الجدة مسرعة تتوكأ على عكازها الخشبي، وقد سبقتها حفيدتها إلى الخارج، تُسكتُ الكلب، وتزجره ليكف عن النباح عساها تستطيع معرفة ما يحدث من خلال الأصوات الآتية من مكان الحادث...
كان الوقت ظُهراً...وقد تراءى أمام بيت( بخشه دي) بعض الجنود من الغزاة...يجرُّون شخصاً إلى الخارج، ويركلونه...ربما يكون هو( بخشه دي) ذاته...وأطل ساكنوا الأكواخ الفقيرة، من كل سفح وربوة يستطلعون الخبر الذي شاع بعد ذلك وذاع...
فقد داهم سبعة من الجنود البيت...وأخرجوا منه صاحبه وزوجته مستبقين فتياته الثلاث...وطال انتظار الرجل خارج بيته يفرك يديه متوتراً...ويذرع المكان جيئة وذهابا...وتعالى صراخ بعض بناته...فجرى إلى الباب يهم بالدخول...وقد التصقت به زوجته...ومنعه الحارسان...ولكنه حين زاد الصراخ، هجم على الباب وعلى الحارسان، فاجتازهما إلى الداخل...وإذا به يُفاجأ بعرضه مرمياً تحت أحذية الجنود...فاستل خنجراً هوى به على رقبة أحد الجنود فحزّها...ودفاعاً عن النفس كما تقول التقارير ونشرات الأخبار عادة، أطلق أحد الجنود رصاص على (بخشه دي)...وجرّه جنديان إلى الخارج، ترفسه الأرجل...
كانت الخالة سعيدة تنظر من بعيد، تكاد تفهم ما يحدث...وهزها الخوف على حفيدتها، أن يحدث لها ما تخاف عليها منه...
ورأت كما رأى أهل القرية جمعيهم، جنود الغزاة وهم يحملون قتيلهم، ويركبون سيارتهم العسكرية، وينطلقون بسرعة محدثين صوتاً مزعجاً...ورُئِيَ أخو البنات المنتهكات بعد ذلك يحمل رشاشه، ويتجه نحو الجبال المجاورة المتلفعة قممها بالثلوج والأسرار والغموض...ربما طلبا للانتقام...ربما هروباً من أعين الناس ونظراتهم التي ستطارده بعد اليوم، أو لعله الهروب من أعين أمه وأخواته...
هل قال وهو ينقل خطاه في البرد نحو مقصده:
استغلّوا ضعفنا، وأخذوا منا وأمام أعيننا أعزّ ما نملك...
فلماذا نعيش بعد ذلك؟!! وهل له أن يقول غير ذلك؟! | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:55 am | |
| خمس ساعات مرّت...وهو لا يزال يقطع بحر الظلام...كانت مناد يف الثلج تتساقط من السماء لا يراها، لكنه يحس بها فوق أنفه وخديه...وقد تسرب إلى نعله المهترئ بعض الماء والطين...فانبعث منه صوت مع كل خطوة...كان ذلك الصوت أنيسه الوحيد والإيقاع الذي يستحثه لمواصلة المشي...
عواءات الذّئاب تشق سكون الليل بين حين وآخر، ووَقَعَ مرّة أخرى...متدحرجاً عبر جرفٌ كأنه حافة واد...وفقد فردة حذائه...مد يده إلى الأرض يبحث عنها...لم يجدها...كان الظلام دامساً، بحيث لم يكن يرى يده التي يبحث بها عن حذائه، ولولم تكن جزء منه لفقدها هي أيضاً...
وأحس بهوانه...أيفقد حتى الحذاء؟!! وكان في حاجة إلى بعض بكاء...يُخرج به الحمم التي في قلبه...وبكى وهو يواصل السير يائساً من حذائه الذي هو في الأصل حذاء أخيه خالد...
كانت العواءات المتزايدة تزيد من ارتباكه...فهل هو يسير الآن نحو مصدرها؟!! وأنّى له أن يعرف ذلك في مثل هذا الظلام الذي سرى فيه ليلته هذه...؟
كان مُصِراً على شيء واحد، هو المشي...وبالتأكيد فلم يكن يقصدُ مكاناً معيناً، وإلا لعلم حتى وهو المجنون أن الجهات الأربع تضيع في مثل هذه الحلكة الدامسة...
تذكَّر علبة الكبريت التي في جيبه...أحس بنشوة...مدّ يده إليها...واكتشف أنه فَقَدَ التحكم في أصابعه من شدة البرد...وجاهد لإدخال يده في جيبه...بعد لأي كان له ما أراد...تلمّست يده العلبة التي كانت في حاجة إلى عَصر من جراء الماء المتسرب إليها...أراد أن يرميها، ولعل خاطراً خطر له جعله يعيدها إلى جيبه...كان يشعر بالانزعاج من ثيابه المبللة التي تزيد جسمه تجمداً...واجتاحته رجفة استعاد فيها صورة عائلته مجتمعة أمام موقد الحطب في الأيام الخوالي...تذكّر جدته وأخته وقد خلفهما في الكوخ ضعيفتين...كانت الأحزان تحاصر قلبه من كل مكان...يصطدم بها أينما تلفَّتَ...ومدَّ كُمَّ ثوبه إلى وجهه المتجمد يمسح عنه الثلج الذائب...كان يشعر بأن الحياة قد انتهت...ولم يعد له ما يستطيع أن يراها به على غير صورتها المطبقة على صدره بشدة...لقد استحال يومه ليلاً سرمدياً تنتحر فيه كل الأحلام...فكيف يمكن أن يعيش بدون أمه؟!...بدون أبيه؟!...بدون إخوته؟!...
كانت جريمة الغزاة في حقه كبيرة...وهو يراهم اليوم في كل درب يقهقهون وينفخون دخان سجائرهم في وجوه النساء المارات... ساعة أخرى من المشي ربما قطع خلالها مسافة أخرى، وربما عاد إلى حيث انطلق...فالظلام عماية يفقد فيها المد لجون وجهاتهم...
بدأت حبيبات النور ترسم في الأفق فجراً باهتاً لا تكاد العين توقن به...والفجر الصادق دائماً يبدأ بفجر كاذب...وما هي إلا لحظات حتى بدأت المعالم حوله تظهر...والتفت يستكشفها...لم يكن بعيداً عن الطريق الآن...كانت ثيابه مبلّله موحِلة...ثقلت على جسمه بما حملت من ماء...وتذكر حديثاً في النهي عن المشي بفردة واحدة...فرمى بها من رجله...والتقطت أذنه صوت محرك سيارة قادمة من بعيد...وأنصت يتأكد، فإذا ذلك حقيقة لا وهم...وجرى إلى الخندق على طرف الطريق...يراقب منه مصدر الصوت...كانت المفاجأة مذهلة...فأيّ أقدار هذه التي تواتيه على ما أراد...!!!
كان الله من فوق عرشه يرى المظلوم المبلّل يحمل بين جنبيه قلبه المنكسر، يطلب له بعض السلوى...
اقتربت السيارة أكثر...كانت سيارة دوريه غزاة...ضغط على أسنانه...أدخل يده تحت ردائه يُخرج أشياءه التي أخرجها من مَدفَنِ الخرابة...الرشاش والمسدس والقنابل الثلاث...أحس بالدم يغلي في عروقه...تذكّر أمه...أباه...اقتربت السيارة...تذكر أخاه خالداً...اقتربت أكثر...أخاه الصغير عمر...كانت قاب قوسين...أخته خولة...قاب قوس...جدته وأخته عائشة...صارت أمامه...تذكر جنونه والأولاد يحيطون به ويصرخون المجنون...المجنون...المجنون نزع صمام أمام قنبلة ورمى بها...اتبعها الثانية...وخرج برشاشه يزرع الأجساد المحترقة في السيارة بحبات الموت النحاسية...كان يصرخ أنا المجنون...المجنون...أنا المجنون...أنتم جننتموني...أنتم...وملأت رائحة البارود المكان.
كان هائجاً، ينقدح الشرر في عينيه...واقترب من السيارة فإذا فيها خمسة جنود صَرعى...أخذ منهم رشاشين وولى هارباً عبر الوادي مبتعداً عن الطريق أمتاراً، ثم عاد كأنما رأى رأياً آخر غير الذي كان رآه حين انسحب نحو الجبل...وعبر الخندق المحاذي للطريق وواصل سيره حَذِراً... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:56 am | |
| كانت الرصاصة التي تلقاها(بخشه دي) قد استقرت في فخذه، وكان استخراجها يحتاج إلى عملية دامت ساعتين، بعدها مباشرة وجد نفسه أمام محققين من الغزاة...
كانت الغرفة التي خُصصت للتحقيق في المستشفى في الطابق ذاته الذي توجد فيه غرفة الاستشفاء التي نُقل إليها المصاب لقضاء فترة نقاهة...وقد أُخليت الغرف المجاورة، وعُزل الجناح.
أخذ أحد الحراس العربة من الممرضة، فلم يكن من المسموح لها أن تعبر بها أكثر...دفعها أمامه... طرق الباب وأدخل المصاب، أوقفه في عربته مقابل مكتب المحقق، ثم خرج وأغلق الباب خلفه.
كان الملف بالنسبة للغزاة في حاجة إلى طي سريع إن لم تكن أنباؤه قد ذاعت، وإلى تحوير واجب إن كان الأمر عكس ذلك...
كان المحقق في الخمسين من عمره، يلبس نظارات...ويبدوأنيقاً...وإلى جانبه معاونه، وفي الطرف الآخر جلس المترجم الذي يبدو من سماته أنه من أبناء البلد...ولم يكن يقطع الصمت الذي يسود الغرفة سوى صوت أوراق كان المحقق يقلبها بين يديه...وكان اهتمامه بها أكبر من اهتمامه بالمصاب الذي مضت على دخوله دقائق دون أن ينظر إليه، ولو نظرة خاطفة، وحمل تلك الأوراق بين يديه يسويها بحافة المكتب...ثم نزع نظارته، وسوى من جلسته، رافعاً رأسه نحو المصاب:
- أهلاً وسهلاً...أرجو أن تكون الإصابة بسيطة...وابتسم هو أو حاول أن يبتسم...
وسأله المحقق...نعلم أنك في حاجة إلى الراحة، لكن نحن أيضاً في حاجة إلى النظر في الاتهام الخطير الموجه إليك...أنت من الثائرين الرافضين لوجودنا هنا أليس كذلك؟!!
وأراد المصاب أن يدفع التهمة عن نفسه، وتداخل صوته بجملة أخرى جديدة نطق بها المحقق...وفي تقاطُع الصوتين وتداخلهما يصمت الطرف الضعيف دائماً ليكمل الأقوى كلامه...ومقاطعة الضعيف للقوي دائما إن لم تكن استعلاءاً على القانون واستخفافاً به، فهي سوء أدب...وأكمل المحقق:
- بيني وبينك، التهمة ليست سهلة...وقد تصل عقوبتها لحدّ ترحيلك إلى مكان بعيد لتحقيق معك هناك وأخذ معلوماتك التي تخفيها عن علاقاتك بأطراف هي من ألدّ أعدائنا.
وحاول المتهم أن يتكلم...:
- ياسيّـ...
وقاطعه المحقق مرة أخرى مكملاً كلامه:
- إذا أردت نصيحتي، فاعترف...أنا من جانبي أريدُ مساعدتك، إذا سلَّمْتَ الأمر لي ولزمْتَ الصمت وفعلتَ ما أشيرُ به عليك.
- يا سيدي...لكنني مظلوم، أنا كنتُ أدافع عن شرفي...لقد اعتدى الجنود على بناتي...ويمكن أن تسألهن.
بَدا الغضب على المحقق...ضرب الطاولة بقبضته، وقام يمشي في الغرفة يذرعها، دون أن يتوقف عن الكلام.
- أيها الأحمق...نحن هنا في خدمتكم، هل يمكن أن تقول لي لماذا تركنا بيوتنا وعائلتنا وجئنا إلى هُنا؟ إننا هنا من أجلكم أفلا يحق لجنودنا أن يحظَوْا بين حين وآخر براحة ومتعة؟!!
أليس من واجبكم نحوهم أن تبادلوهم البذل بالبذل والتضحية بالتضحية...وأن تتغاضوا عن بعض ما يأخذونه منكم في لحظة يتسلون فيها لنسيان واقع وجودهم في هذه البلاد...وقد ألفوا هناك في بلدهم المتقدم، المنفتح، أن يعيشوا بدون قيود، يأخذون من مُتع الحياة مرادهم متى شاؤوا، لا متى سمحت لهم الفرصة، مثلما هو الأمر هنا. ثُم، لماذا هذا التخلف؟!!
بناتك تجاوزنا سن (17) وهن مسؤولات عن أنفسهن، فما دخلك أنت؟ وأي شريعة هذه التي تدعوك إلى قتل جندي فقط لأنك وجدته مع ابنتك؟!! هذه همجية...هذا تخلف...
كان المحقق يزبد ويرغي والمترجم يحوّل كلماته المتسارعة المضغوطة من شدة الغضب من لغة غير مفهومة إلى اللغة التي يفهمها المصاب.
وأحس المتهم بأنه يستطيع أن يدخل من خلال تراخي لغة المحقق، ليقول شيئاً، فقال:
- أنا ما أردت قتل الجندي...صرخت بناتي...تستنجد بي، فدخلتُ...
- بل هاجمت...قاطعه المحقق مصححاً له لفظه.
- كان الواجب يدعوني إلى حماية شرفي...
- أي شرف هذا الذي تتحدث عنه؟! وفي أي قرن حجري تعيش أنت؟!! حذار أن تعيد هذا الكلام مرة أخرى...ألا تريدون الخروج من هذه الظلمات؟! إذن لماذا لم تبقوا تحت حكم أولئك المجانين الذين كانوا يجلدون ظهوركم ويقطعون أيديكم باسم الله؟...والله لم يقل هذا...الله قال تمتعوا، وخلق لنا الحياة لنتمتع، هل أنتم تعرفون الله أحسن مِنّا، أنتم لا تعرفون حتى اسم عاصمة بريطانيا، فكيف تدَّعون أنكم تعرفون الله...؟!! اسمعْ يبدو أن لغة الرحمة لا تنفع معك...أيها النقيب استدع حارساً لأخذه، فأمام المشنقة يعترف القتلة دائماً.
هوى المسكين إلى الأرض يمسك برجْل المحقق الواقف قريباً منه يُقبلها...وتصنّعَ المحقق الرحمة والأخلاق...ومد يده يعين المصاب على الرجوع إلى عربته وهو يقول:
- أنا أريدُ أن أخدمك، لترجع إذا أردت بعد مدة النقاهة إلى بيتك مباشرة...ألا تقول أنك تريد المحافظة على بناتك؟ المحافظة الحقيقية ليست في أن تقتل من أجلهن إنساناً...بل في أن تكون معهن توفر لهن ما يحتجن إليه مِنْ أكل وشرب هذه مهمّتك.
وفكر المغلوب على أمره وكان مُكرَهاً، لا يملك خياراً أو بديلاً...نزلت من عينيه دمعتا قهر... وقد كان صاحب شيبة تطعنه الأيام في أعز ما يملك، وابتسم له المحقق فابتسم...وضحكُ الرجُلِ المقهور بـكــــــــــاء...
واصل المحقق كلامه زيادة في إقناع الضحية بوجوب تجرُّع المرارة دون عبوس، وابتلاع المسامير دون تألم...كان يخاطب فيه غريزة البقاء التي تصنعها الرغبة والرهبة، والعقل في لحظات كهذه وَبَال...وحين يتحول العِرْض إلى مسألة قابلة للموازنة والحساب، ويكون التنازل عنه قابلاً للإقناع، تسقط مصطلحات الشرف والتضحية والعزّة من القاموس، وتتحول القِمم من معان للرفعة والشموخ إلى مجرد هياكل طويلة بلهاء...تماماً كما تتحول الشوارب من معاني للرجولة إلى كونها مجرّد شيء شبيه بمكنسة قمامة...فهل الجنون في لحظات مساومة كهذه أفضل من العقل الذي يوازن بين ما يخسر وما يربح، ليختار الربح ولو كان زائفاً تختبئ وراءه خسارة كل شيء؟!! ووقَّع( الموعود خيراً) ورقةَ التزامِ التنازل، ودُفعت عربته نحو غرفة النقاهة، وفي عينيه شكوى عجوز مستضعف، أرغم على شُرْبِ الكدر. ــــــــــــــــــــــــ | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:57 am | |
| كانت مناديف الثلج تزداد، حتى غدا النظر من خلالها يكاد يكون مستحيلاً...وأحسَّ" شهندة" بالتعب...فقد قضى ليلة بكاملها في العراء...كانت مشيته المترنحة تكشف مقدار ما أصاب قواه من الخور...أما تفكيره في أخواته اللاّتي صرنَ ولا شكّ حديث القرية بما اقترفه في حقهن مجرمون آثمون، فلم يكف...الأسئلة المرّة تحاصره من كل مكان...فما الذي يمكن أن يفعله ليثأر...؟ وهل سيستطيع الصمود في مثل هذه الأجواء القاسية؟! ولمن ترك أمه وأخواته وهن أحوج إليه من ذي قبل...فأبوه غائب قد أُخِذَ إلى مكان مجهول...ولا يدري أهو في الأحياء أم في الأموات...وكم من الوقت ستسعفه قواه وعزيمته، إذ سيُعَدُّ خارجاً عن القانون، وآنذاك فليس أمامه من مصير منتظر سوى أحد أمرين: الموت أو السجن.
وماذا يستفيد بعد ذلك...؟!
كان قلبه المعتصر يدفعه إلى الأمام...وعقله بأسئلته وحساباته وتقديره يناديه للتسليم والعودة...ولتمزق ألمه... خاصة وأن "شهندة" عاش في كنف والديه مثلما يعيش كل أخ للبنات، مدلّلاً رغم الحاجة، ومُفَضَّلاً رغم الفاقة والعوز.
وبين سؤال وجواب وجَدَ نفسه مسمَّراً في نقطة تحت الثلج...لا يتقدم استجابة لدعوة قلبه، ولا يتراجع تلبية لمطلوب عقله...كان يقف في نقطة يتقرر بعدها مصيره...هي الحد الفاصل بين طريق وطريق...طريق يختار فيه نفسه ويخسر كل شيء غيرها...وطريق آخر يربح فيه العافية والطمأنينة، لكنه يخسر فيه نفسه...وتأرجح بين داعيين تقاربت قوتهما وتعاكس اتجاهاهما...ولو كان معه غيره وأشار عليه بأحد الأمرين لأضاف إلى إحدى الكفتين عنده ما يرجحها على الأخرى...لكن أنّى له أن يُرجح؟!!
كان عمره عشرين سنةً لم يعرك الحياة بعد ولا عركته...رغم قساوة الظروف التي عاشها، كونه كان في كل ملمة يُطأطِئ لتقع على رأس أبيه الذي كان يتحمل عنه وعن جميع العائلة مصائبها، ولعل حداثة سنه تلك هي التي جعلته في تلك الساعة ينسى خطْبه والمصيبة التي رُزئَ بها، ليوازن بين أشياء تافهة يبني عليها قراره...يوازن بين قساوة العراء وبرودة الثلج وبين دفء الكوخ وجلسات السهر في الليالي الباردة أمام نار الموقد...يوازن بين أن يكون وحيداً شريداً يقطع الفيافي ويتوقع الأخطار في كل مرتفع ومنخفض وبين أن يكون مع أمه وأخواته آمناً...
وكان تدبير عقله يزداد رجحاناً على نداء قلبه ورجولته...فهل كان الحسم سيكون لرجولة والشرف لو أن عقله الذي يأمره بالتراجع قد توقف فجأة مُسْلِماً الأمور للجنون...فماذا لو كان مجنوناً؟! أكان يفكر في مثل ما يفكر به الآن...؟!
نعمة الجنون في الأوقات التي لا يحتاج فيها الأمر إلى تفكير، كنعمة العقل في الأوقات التي يحتاج فيها الأمر إلى تفكير وتدبير...
إنها اللحظات الحاسمة التي يبدأ فيها تحول الأسود إلى كائنات ممسوخة تتراقص على طرطقات سياط مهرّج سيرك، وحينما يتحول الأسد من الصحراء إلى السيرك، فإنه يبقى يتنفس، ويزأر...لكنه يفقد كل تلك المزايا التي تحوله من مخلوق تخافه الأبطال إلى مسخ يبصق عليه الأطفال الصغار من خلال قضبان القفص...وحين يبدأ أفراد شعب شرس في الانحناء لئلاّ يصيبهم السيف، حتى وإن كانوا يخسرون بالانحناء ما لا يخسرونه بقطع رؤوسهم، فإنّ مشروعاً تدجينياً خطيراً يكون قد بدأ يتغلل، كالسم في الأوصال...
كان واقفاً في نقطة الحيرة لا يتقدم ولا يتأخر...ونظر إلى الخلف، فرأى آثار أقدامه على الثلج، ثم نظر أمامه، فلم يرَ مثل ذلك...هما أرضان...أرض قطعها مدعواً لأن يبقى أسداً...وعليها آثار خطاه أسداً...لكنها تقبل آثاره عائداً مسخاً...وأرض أخرى أمامه لاتقبل إلا خطى الأسود ...ولا ترتسم على ثلجها إلا آثار أقدام قطعت الشك باليقين...والضعف بالعزم...والتردد بالمضاء...وآلمه ما ترجّح عنده ...وكان مقهوراً مُكرهاً مثل أبيه... وخَطَا نحو المنخفض الذي جاء منه، عائداً يمحو آثار الإقدام بالإحجام...ويقتل الأسد بالمسْخ...
أحس بنفسه قزماً لم تُسْعِفْهُ عزيمته لبلوغ القمة فعاد على أعقابه لينظر إلى انكسار أخواته اللاتي لا يستطيع أن يقدم لهن شيئاً...ورغم أنهن سيفرحن برجوعه رحمة به، فإنهن لن يستطعن تجاهل الإحساس الرهيب الذي يمزقهن حين يرينه قد عجز رغم كل الدوافع وفداحة المصيبة أن يكون رجُلاً... ولاشك أن صوتاً هامساً سيناديهن من داخلهن: أي رجل هذا الذي لا يثور لشرفه؟!! وسيحاولن طردَ الهمس من جوانحهن شفقة بأخيهن، لكن الهمس يتحول إلى قهقهات ساخرة، لاذعة، قاتلة، وهُنَّ يرين أخاهن ينسحب بعد ذلك من البيت كلما رأى سيارة الجنود الغزاة تتوقف، مفسحاً لهم المجال للحظات من المتعة...أَوَ ليسوا هم الذين جاؤوا إلى هنا من أجله، ومن أجل أبيه، ومن أجل بقية أبناء القرية وأهل البلد، تاركين وراءهم بلدهم المتحضر، ودفء أسرهم؟!! أليس ذلك أقل واجب عليه كمضيف نحو ضيوفه؟!!
مشى ساعات طويلة وقد أزمع العودة إلى البيت، ولم تكن جوانحه لتخلو من بقية صوت ضعيف، يشبه أنات استغاثة من مطعون تهاوى بدمائه على جدار يتشبث به بيديه...كان الصوت الضعيف يؤنّبه...ويضع أمامه آخر التساؤلات.
هل أخطأتُ حين قررتُ العودة؟!!، ولم يأْبه، خنق الصوتَ في ضميره، وأطل على القرية من خلال غبش المناديف المتساقطة من السماء...ولم يعد في حاجة إلى كبير جُهد ليعرفَ الطريق المؤدي إلى بيته بين تلك الأكواخ والأسوار والحِمىَ...فلقد تعود منذ صغره أن يخرج بأغنامه للرعي في هذا المرتفع حيث يقف الآن...
كان الانحدار يدفعه إلى الأمام رغم تعبه...وتتسارع خطاه دونما قصد منه، حتى يكاد يفقد السيطرة عليها، فيحاول التماسك...وتصطدم قدمه بحجر، فيتعثر فوق الثلج متدحرجاً لعدة أمتار يتاطير فيها غطاء رأسه، وحذاؤه بعيداً... تماماً كما حدث للمجنون عامر حين فقد حذاءه...غير أن الأمر يختلف، فهذا يفقد حذاءه راجعاً نحو الأسفل ليكون خلقاً آخر غير الذي كان خرج قبل ذلك اهتزازاً لنبض جرحه الغائر، وذاك يفقده مُقْدِماً ليكون هو كما كان دائماً، وكما ينبغي أن يكون، مجنوناً يتصرف بعفوية، لا بحسابات...
اقترب من البيت...رأى سيارة الجنود قرب الباب...ركَن إلى الجدار يتقي المناديف التي يزيد الريح من سرعتها...بدأ يحس بالبلل، تمنى فقط لو يدخل إلى البيت...فقط ليقترب من الموقد، ليتصاعد من ثيابه البخار...ليحس بالطمأنينة، بالدفء، لينام...وفكر في أن يتجرأ ويدق الباب...ويطلب من الضيوف السماح له بالدخول، فقط ليحقق أمنيته قرب الموقد...وهو على تلك الحال...سمع قهقهات تتعالى...وثلاثة جنود يخرجون، تأملوه...انكمش، اقترب أحدهم منه...انكمش أكثر...ركله...خفض عينيه نحو الأرض في استعطاف...تركه، ولحق بصاحبيه، ركبوا السيارة وانطلقوا...ودخل هو إلى البيت، ليرى عيون أخواته المتقرحة من الدمع تتمسح بصدر أمه التي تركتهن حين رأته، وجرتْ إليه تحضنه:
-" شهنده"، عُدتَ يا بني...تعال...تعال... ،وأخذته نحو الموقد ليحقق حلمه الذي باع من أجله كل شيء، ومن أجله عاد. ــــــــــــ | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:57 am | |
| (سياتل)...القرية الأمريكية التي تُحسِنُ استقبال الرسائل، لكنها لا تُحسِنُ التماسك أمام ما تحمله من أخبار مؤلمة.
وبين الشموع جلست السيّدة (مارغريت) بثيابها السوداء تتأمل صورة ابنها الذي نعتْهُ إليها الأخبار منذ ساعات...ودخل عليها زوجها (بينْ)...فلم تنتبه إلا وهو يضَع ُيده على كتفها... :إنه بطل...لقد مات وهو يؤدي واجبه...وانتفضت في وجهه:
- أي واجب هذا الذي تتحدث عنه...أفَصِرْنا نلِدُ مِنْ أجلِ أن يبلغ الطامحون إلى المجد المجنون ما طمحوا إليه بفلذات أكبادنا؟!!
هل كان من الواجب أن يحشر أبناء عمومتك أنوفهم في كل القضايا التي تحدث في هذا الركن أو ذاك من الكرة الأرضية، حتى وإن كانت لاتهمهم؟
و(مارغريت) هذه امرأة من أصول هسبانية، أما زوجها فمن أصول بيضاء، بريطانية على الأرجح، والبيض يتخوفون من تنامي نسبة ونفوذ الهسبانيك في البلاد، وهناك ولايات كثيرة تغيرت تركيبتها السكانية لذلك، ونهَرَها زوجها بلطف:
- أعذرك...وأعرف مقدار صدمتك بابنك...لكن رجاءً هوّني على نفسك...
- أهون على نفسي...كيف وابني المقتول سيصِلُ بعد ساعات في تابوت مغلق، وقد نرى منه عضواً سالماً، وقد لا نرى ذلك البتة...
- المجرمون، الهمج،المتخلفون، قتلوه، تباً لهم...قال(بينْ) ذلك وضرب الطاولة أمامه بقبضته فاهتزت، وسقط من فوقها غليونه، والشمعدان الثلاثي الذهبي اللون بما فيه من شمعات...وقالت زوجته:
- الهمج كما تقول لم يأتوا ليقتلوه هنا...بل قتله الذين أخذوه ليقاتل في أرض ليست أرضه...
- لكن عن فكرة هي فكرته، قال زوجها مقاطعاً، فردّت:
- قل لي بحق السماء، ما هي هذه الفكرة التي خرج ابنك يقاتل من أجلها في أفغانستان، التي أراك مقتنعاً بها حدّ التسليم بموته...؟!
إننا نحمي للآخرين أراضيهم، لكننا نحمي فيها أفكارنا.
- إن أبناءنا هم جند الشيطان في المعركة الخطأ...وإلا فأي حق هذا الذي يأمرنا الله بإخراج أبنائنا لحمايته في أقصى الأرض...؟!!
- فعلاً...لو أُعطيَتْ لك دفة السياسة...لرجعتِ بأمريكا إلى البيت.
- وماذا فعل الذين أخرجوها إلى بيوت الآخرين...هل فَعَلوا أكثر من أنهم حرمونا الأمان وألبوا علينا جنون المنتقمين، ونقمة المجانين...؟!هيهْ...قل لي ماذا أكثر من ذلك؟.ماذا يفيد أن تحقق نخبة مجنونة طموحها التوسعي ويفقد الشعب كله أمنه واطمئنانه...؟!!
كفى يا امرأة...أرى أن الصدمة قد أثرتْ على أعصابكِ وعقلكِ...هل جنِنْتِ؟!!
- كثيراً ما حدثتمونا عن الديمقراطية، وعن حكم الشعب نفسه بنفسه...فهل الشعب يختار لنفسه الموت من جراء سياسته تجاه الآخرين وظلمه لهم؟! هنا يا(بينْ) قلب الديكتاتورية ومركز التسلط.إن الذي يحكم أمريكا ليس هو شعبها...إن الحاكم الفعلي هو هذه العصابة التي تملك هنا كل شيء...المال، والإعلام، والسلطة، والرفع، والخفض، والنصب...هل تستطيع أن تُقنِعني بغير ذلك؟!!
كان وقع نَعْلِ الكهل على الأرضية منتظماً، بطيئاً...ولم تحاول أن تلتفت إليه، وهو يقصد الباب ثم يعود إليها، وقبل أن يبْلُغَها، قال:
- (مارغريت)...رجاءً لا أعصابي ولا أعصابك تحتمل أكثر من هذا، بل ولا هذا...لذلك ارحميني فأنا رغم كل شيء أب يفقد ابنه.
- ولماذا تأسف عليه أيها الأب الحنون، وقد مات حسب اعتقادك لتحيا أمريكا، ثق يا (بينْ) أن الشعب هنا قد يسكت إذا ما أصيب في المرة الأولى، وقد يسكت في الثانية والثالثة، لكنْ لكل شيء حدود...وحين يطفح الكيل لن ترضى عشرات الملايين أن تدفع الثمن من أمنها، ودماء أبنائها، ومصالحها فقط لتحقق نزوة هذا هنا...أو تساند ذاك هناك، وحينها ستخرج الجموع لتنقضّ على هؤلاء الذين يرمون الآخرين ثم يعرضون الشعب للخطر مختفين خلفه متترّسين به...
- هذا هراء يا (مارغريت)...كأنك تتحدثين عن ثورة شعب في العالم الثالث،استفيقي يا عزيزتي... هنا أمريكا.
- للأسف فقد سبقتنا شعوب العالم الثالث في التحرر، لكننا سنلحق بها...هذا مؤكد...لأن التحرر ليس له زمان ولا مكان.
- أراك تتكلمين عن الحرية وكأننا مستعبدون يا امرأة...؟!!
- أنا أقرّ أني مستعبدة، فقد أرسل ابني إلى معركة كنت أعلم أنها ليست معركته، ورغم ذلك لم أستطع الممانعة...وابني ذاته كان عبداً...ولو لم يكن غير ذلك فلماذا لم يجهر بما كان يسرّه لي من كونه غير مقتنع بما هو مقدم عليه...؟!!
وقامت من مقعدها، ثائرة توجه سبابتها إلى وجه زوجها:
- وأنت هل تستطيع أن تفعل أكثر من التفاعل مع ما هو مرسوم لك؟! لقد ترشحت لانتخابات الكونغرس، وتعرف بأي دعم فاز خصمك وبأي ولاء...
وكالتي فقدت عقلها، صرخت:
- كفانا كذباً على أنفسنا يا رجل...هل تستطيع أنت الأمريكي أن تحكم بلادك إذا لم يساندك رئيس وزراء إسرائيل عبر لوبيه هُنا؟! هيا قل لي، لماذا صمتَّ؟!..قل لي...وهل تستطيع حتى إذا أنت وصلت إلى سدنة الرئاسة أن تتجرأ وتعلن في سيادة وقْفَ المساعدات المالية لإسرائيل في تقتيلها لأطفال العرب والمسلمين...؟!!
كانت نبرات صوتها ترتفع، وتشنجها يزداد...حتى إذا بلغت من ذلك ذروته سقطت مغميّاً عليها...وسارع هو إلى إسعافها وفي رأسه كلماتها الجريئه التي كان دوماً يراها في أعين الكثيرين في كل مكان...ولا يسمعها...أفكان انعدام الجرأة هو الشيء الوحيد بين الحقيقة التي يخفيها الجميع وبين الوهم الذي يعيشون فيه؟!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:58 am | |
| لو كان معه شخص آخر لمال عليه ولهمس له أن غليله لم يُشفَ بعد، وأنّ جنونه ما زال يصر عليه أن يعيد الكَرّة...كان يمشي بحذر إلى جانب الطريق عبر خندق يصلح لاختبائه إن اضطر إلى ذلك...النشوة الغامرة تملأ كيانه، وتدب في جسمه دبيب النمل، تدفعه إلى أن يضرب صدره بقبضاته، فلقد أحس أنه حطم حاجز الخوف الذي يعد فاصلاً بين طريقين...وبعد الآن لا تراجع، فقد فعلها وانتهى الأمر. كان كلما أحس بصوت سيارة أو شاحنة تقترب كَمنَ في الخندق حتى إذا مرَّت وتأكد من تجاوزها له، خرج يُوَاصلُ مشيه... وقع العمليّة أنساهُ ألم البرد الذي كان يحسه في قدميه الحافيتين...غير أنه لم يكفّ عن مسح مناديف الثلج التي كانت تستلقي على وجنتيه وأنفه في إعياء شديد، كأنما أتعبتها المسافة التي قطعها بين السحاب والأرض...فوصلت مترنّحة تستعجل مستقرَّها... مرّ بهيكل بقرة ميتة...لم يبقَ منها إلا العظم...وتذكّر لمّا رآها أنه لم يذق طعاماً منذ أن خرج من عند جدته التي وعدته ببيض مسلوق للعشاء...غير أن النار المتأججة في أحشائه عجلت بخروجه، ولم تهمله إلى وقت العشاء. وحدّث نفسه بأشياء كثيرة، كما استرجع ذكريات مرّت، ورسم أحلاماً قد تأتي لوحدها، وقد يصنعها هو... شاحنة عسكرية تبدو له قادمة من بعيد...كانت قطع الثلج تمنع الرؤية عن بُعْد إلا تدقيقاً...ومسح عينيه، ثم ضيقهما يتأملها...ليتأكد... كانت شاحنة عسكرية فِعْلاً وداخله إحساس الذي ليس بينه وبين مهمة صعبة كُتِبَ عليه خوضها سوى لحظات...أمتار... وكَمَنَ يُخرج عدّته، مبقياً عينيه عليها...ومع اقترابها تزداد التفاصيل وضوحاً...أصوات الراكبين من الخلف بدت واضحة الآن...كما اتضحت وجوه الراكبين من الأمام. وفكر بما سيواجههم به... القنبلة أم الرشاش...؟!! لم يعد بينه وبينها أكثر من خمسين متراً...رأى أطراف ثياب بعض الراكبين من الخلف بادية...وسمع كلامهم...كانوا أفغاناً...أحس بالإحباط، وحاصرته الأسئلة: هل يلقي بالقنبلة فيقتل جنود الغزاة الذين بدا منهم اثنان في مقدمة الشاحنة ومعهم السائق، ويقتل معهم مسلمين، أمْ يضع يده على نار قلبه الآن كابتاً لهبها....وليس سهلاً أن يضعَ مثله كفه على فوهة البركان يمنع خروج الحمم، غير أنه يبقى الخيار الأسلم...ورغم كل شيء فهؤلاء من أبناء البلد، صحيح أنهم صفقوا لمجيء الغزاة، غير أنهم نالوا جزائهم من ضيوفهم، تماماً كما ناله(بخشه دي) بانتهاك عرض بناته، وطعنه في شرفه، ولا يكادُ يمر أسبوع إلاّ وقنبلة تُلقى حسب زعم الغزاة خطأ على أهل بيت فتستأصل خضراءهم، أو رصاصة طائشة تخترق جسداً فترديه هامداً... غير أن الفتى لم يستطع أن يحسم أمرهُ، كان التردد يضغط عليه بشدة، كون الظرف يتطلب منه أن يقرر بسرعة...وتأملها في كفه...القنبلة...وأمسك بمسمار المؤَمّن يعدّل جانبيه ليتمكن من سحبه مع الحلقة المعدنية...وتحركت شفتاه بهمس يرتفع تدريجياً: الله أكبر...الله أكبر. كان مذهولاً يصارع أمواج الأسئلة التي تغرقه...ورأى وجوههم بتقاسيمها الشاحبة التي تطل المعاناة من خلالها...وتذكر أن لهم أولاداً ضعافاً ينتظرون عودتهم...كانوا من أهل البلد، وقتْلُ المرء في بلده كقطع نخلة في منبتها...إنهم يختلفون عن أولئك الذين جاؤوا من بعيد، لا لشيء سوى ليمارسوا ظُلمهم وتسلطهم، وليكون قتلهم في غير أرضهم عدالة... رأى في وجه أحد الراكبين في الخلف من أبناء البلد وَجْهَ أبيه...وسأل نفسه: أيمكن أن يكون هؤلاء مغلوبين على أمرهم وهم يُنقلون الآن إلى سجن بعيد مثلما نُقل أبوه وأخوه ذات مرة أسيرين...؟!! أحس بالشفقة عليهم...طأطأ رأسه مغمضاً عينيه، طارداً فكرة عملية قد تزيد ناره ناراً، وحزنه حزناً...ولم يرفع عينيه عن الأرض إلا والشاحنة قد مرّت، ولم تعد تظهر على ما بدا من الطريق المتعرِّج تحت الثلج... وتداخل في قلب المجنون إحساسا ن لا ينفك أحدهما عن الآخر... إحساسان متناقضان...فقد كان منتشياً كونه لم يلطخ يده بدم بريء، وإلا فما الفرق بينه وبين المجرمين الغزاة؟!! ومع ذلك فقد أحس بالحسرة تجتاح قلبه على شاحنة فريسة لم يكن بينها وبينه سوى أن يرمي فتحترق... في تلك اللحظات قفزت إلى رأسه صور بنات (بخشه دي)، وقد كان عرفهنّ صغيرات يذهبن إلى الكتّاب...كنّ ثلاث علامات حائرة مبهمة تقف أمامه، لا هي علا مات استفهام ولا هي علا مات تعجب...وأحس بالشفقة عليهن...تخيلهن بوجه أخته عائشة، وأمامهن على الأرض قد انفرطت عقودهن، واختلطت حباتها بالوحل...وكان لابد أن تمتد يدٌ ما تجمع تلك الحبات، تغسلها من الوحل، ثم تعيدها كما كانت عقوداً مصونة في نحورهنّ...والشرف عِقْدُ زينةٍ في رقبة المرأة، فإذا انفرط صار عِقْدَ ثأر وشهامة في رقبة الرجل... هل يمد يدهُ ليجمع تلك الحبات المتناثرة تحت كل قدم، أمام كل عين...؟!! وتذكر الشيخَ( شوكوراً )، الشيبةَ البريئةَ المطاردةَ التي تبيتُ في الخرائب دُون ذنب، وفي لحظات مرت أمام عينيه الكثير من الوجوه المتماوجة التي جفف الظلم ماءها كزهور بين صفحات كتاب...كان يسأل نفسه: هل عليه أن ينطلق من آلام ومظالم كل هؤلاء...؟ استخفته الفكرة، فأحس أنه البطل الأسطوري...وفي لحظة نسي نفسه...أبرز صدره، وراح يمشي مشية الأبطال، وتذكر الحقيقة التي لن يستطيع الآخرون تجاوزها، وهي أنه مجنون. ولاحت له صور الأطفال الصغار وهم يرجمونه بالحجارة: المجنون...المجنون...المجنون، وانضبط إيقاع مشيته العسكرية بإيقاع الهتافات التي راح يستذكرها طالعة من بين شفاه الصغار: المجنون...المجنون وأحس بالنشوة...واستهواه الإيقاع المضبوط، فراح يضرب الأرض بقدميه كأنه جندي في عرض عسكري...أما شفاهه فراحت تهمس مع الأطفال الذين كانوا في رأسه: المجنون...المجنون...وراح الهمس يرتفع...مع ازدياد وقع القدمين على الأرض...ومرت لحظات، لا يدري أطالت أمْ قصُرَت...وانتبه إلى نفسه، فأحس بالخجل، غير أن فكره يثأر للمظلومين في قريته لم تبرح تجاويف مخّه الذي فقد ضوءه فلم يعد سوى كتلة من الدَّسم المحمول في العلبة العظيمّة التي يحملها بين كتفيه...ثمّ لماذا لا ينتقم حتى للأرض التي دُنّست...؟!! والأرض كالعِرض...بل الأرض عِرض...وكاد يبرز صدره مرة أخرى انتشاء بالفكرة الجديدة...لولا أن صوت سيارة ترامى إلى مسمعه من بعيد. كانت الحركة على ذلك الطريق قليلة...لذلك لم يكن يميل إلى الخندق متخفياً إلاّ لِماماً...وخطف بصره نحو مصدر الصوت فإذا شاحنة أخرى قادمة...تأملها جيداً...إنها شاحنة عسكرية...شدّ قبضته اليمنى وأرخاها مرات متتالية، يعدها... أحس أن البرد قد جمّد أعصابها فاستعصت حركتها...ومالَ إلى الخندق...أخرج عدّته...وضعها أمامه، ونظر إليها...قطعاً من الحديد تعزّ الذليل...وتذل العزيز...انبعث من بقايا متبقية في عقله قوله تعالى وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع لناس)، وفي لحظة تراءى له أبوه يُحفِّظُه تلك الآية...يذكر ذلك جليّاً...كان صغيراً، وكان يتخيل قطعاً من الحديد نازلة من السماء كحبات بَرَد...مطارق...وأبواب شاحنات، وأواني منزلية...كانت فكرة ساذجة في جمجمة طفل ساذج هو الآن هذا المجنون الذي يمسك بقطع من تلك التي كان يتخيلها تتنزل من السماء هي وأباريق وملاعق جدته سواء... وتأملهم بفرحة صيّاد يرى قطيع أيائل يقترب منه...ولم يكن بينهم من يجعله يحجم أو يتأسف...عرفهم بما يرطنون به من العُجْمة...وأمهلهم ليتأكد...ثم فعلها... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 10:59 am | |
| حين دوى الانفجار تناثروا حول الشاحنة كعهن منفوش...وخرج عليهم برشاشه يُثخنهم...كانت المفاجأة أكبر من حذرهم، لذلك لم يطلق أحدهم من رشاشه أو مسدسه طلقة..وقبع هو حذراً...يرش الأجساد المتناثرة في المكان حول الشاحنة بالموت.
كانت النار قد التهمت المقصورة...وأحس بعد مرور لحظات أن لا حراك في تلك الأجساد، فاقترب يمشي مشية الوجل الوحل...وإذا بأحدهم يباغته بطلقة من مسدسه في يده فيردّ عليه هو بطلقة...
كان يحس شيئاً ساخناً اخترق عَضُدَهُ الأيسر، وقد أكدت بقعة الدم ما حزر...نشوة النصر أنستْهُ الألم الذي بدأ يحسه من أثر الرصاصة التي أصابته، وكان يمشي إلى جانب الجثث الملقاة على الأرض وفي الشاحنة مشيته العسكرية، على وقع نداءات الأطفال الصغار الذين صار يحبهم الآن...ويتحسس صدره فلا يجد فيه عليهم ذرة من بغض، ولعله فكّر في أن يبدأ فأبرز صدره، لكنه انتبه إلى أن الظرف لا يسمح.
كانت سبابته تنتقل من جثة إلى جثة، خمسة...ستة...عشرة...واحد وعشرون.
كان ذلك هو عدد الجنود الذي مزقهم الحديد النازل من السماء إلى يديه...ذلك ما قاله لنفسه وهو يهم بالانسحاب مبتعداً عن الطريق...
كان ألم عضده يزداد مع مرور الوقت، وفكّر في أن يعود إلى الكوخ، على الأقل ليجد مسامع تصغي إليه...إلى بطولته...وانفجر باكياً...فقد أحس أن كل ذلك لا يُرجع أمه، ولا إخوته من تحت التراب، لا يرجع أباه من الأسر..ولا يُرجع عِرض بنات (بخشه دي) إلى ما كان عليه الأمر قبل أن يدخل عليهن الوحوش...لذلك كانت المبادءة بالظلم أمراً لا يمكن إزالة آثاره مهما كان الرد... , البادئ أظلم هكذا قال القرآن الكريم، وحتى لو كان الردّ بالمِثْل، فإن البادئ يبقى أظلم...
حين ابتعد بدت له الشاحنة من بعيد محطة للموت ومحطة للبطولة...وترامت إلى مسمعه أصوات سيارة إسعاف...دقق النظر فإذا هي تتوقف أمام الشاحنة تتبعها سيارة عسكرية وشاحنتان...ودفعه إحساسه إلى حافة اليقين أن أحدهم رآه...وقريباً منه مرّت رصاصات كانت تستهدفه لا شك...أحس بالخطر، جرى إلى وادٍ قريب...كان يسأل نفسه إن كانوا سيلاحقونه، فلقد رآه أحدهم بالتأكيد وهو يمسح بمنظاره الجهات الأربع حول مكان العملية...كان ركضه قد اشتدّ، وقرر أن يُطل عليهم من جديد، فرأى بعض الجنود يأخذون طريقهم إليه...ازداد توجساً ونسي جرحه، وفي لحظات الخوف تبرز القوة الكامنة في الإنسان...وتحرَّك لسانه يدعو:
يا رب أعني...يا رب أعني...تذكر غروره منذ لحظات حين كان مُبْرزاً صدرهُ...وأطلّت عليه خيالات الأولاد من جانبي الوادي، يتصارعون ضاحكين: المجنون فرّ...المجنون فرّ...المجنون فرّ... .
تعرّج بتعرّج الوادي، وبدا أنه قد بلغ الجبل واستدار فلم يرَ الذين طاردوه...فهل هم في أثره عبر الوادي؟! أم أنهم حسبوا حساب أن تكون العملية من فعل مجموعة قد يقعون في كمينها إذا هم حاولوا اللحاق بها.
توقف هنيهة يستجمع أنفاسه التي كان صدره يعلو وينزل بها متسارعة من شدة الإجهاد...كان الجوع يمزق أمعاءه ويستشري في ركبتيه وهناً، أما البرد فَقَدْ فَقَدَ الإحساس بهِ لبلوغه ذروة التجمد...وكان جرحُه ينزف، وبدا له أن طريق العودة سيطول، وتمنى لو أنه أغمض عينيه ثم فتحهما ليجد نفسه أمام الكوخ...أو في حضن جدته، التي ستسأله بلا أدنى شك عن بقعة الدم، في توتر وذهول، وحدّث نفسه وهو يتصوّر الموقف، وكان حديثه ذاك مع نفسه مما هون عليه طول الطريق إلى القرية...مناديف الثلج لا تزال تتساقط مترنّحة كسكّير، حتى إذا وصلت إلى مستقرها على الأرض ارتمت من التعب وذابت، وكان يرى نفسه مثل هذه المناديف، أنهكه التعب...وسيصلُ الكوخ مترنحاً، وما إن يدخله حتى يرتمي فيه ذائباً في لجّة نوم طويل طويل.
مضى يومان دون أن يصل...بل لقد وصل في ليلته الأولى لكنه آثر أن لا يدخل القرية قبل أن يُعرج على المقبرة يزور قبر أمه وإخوته...هل يحي الأموات بقتل قاتليهم؟!!
أحس بالتشرد والضياع وهو يقف على قبور من أحب، هؤلاء الذين كانوا بالأمس معه، وحين ذهبوا أخذوا معهم عقْله وخلفوا له الجنون...
لم يجد ما يقول، لذلك لزم الصمت...وقد أدرك أنه انتهى فعلاً، وأن موسم الأحزان سرمد على قلبه...وقد كان يظن أن العمليتين ستعيدان له شيئاً مما ذهب منه...ورغم أنه كان لا يستطيع تحديد ما الذي سيستعيده، إلا أنه كان يحس بشيء غامض كامن وراء تلة الانتقام لدماء أمه وإخوته، وعذابات أبيه وجدته وأخته...
تراجع القهقرى دون أن يرفع بصره عن القبور الساكنة في ظلام أول الليل في هذه الليلة الباردة...ومسح عن عينيه دمعتين...ثم استدار يجري نحو الخرابة يخبئ فيها أشياء الحديد، قبل أن يرجع إلى الكوخ...وفوجئ بالشيخ (شوكور) منحشراً في الزاوية من شدة البرد...
- عامر...؟!! أين أنت يابني؟!!
ولم يجبه الفتى...الذي رمى بسلاحه إلى الأرض وسارَ إلى الشيبة المعذّبة في الزاوية يمطرها بالقبل...ويدس وجهه في صدرها...
كان في حاجة إلى دفء...روحه المرتجفة من ألم التشرد واعتصار الحزن في حاجة إلى دفء صدر...جسده الذي مزّقه البرد في حاجة إلى دفء فراش، دفء ثوب، دفء شعلة نار...وبكى العجوز وهو يمسح بيده على رأس الفتى، وفاجأه بقوله:
- ماذا فعلت يا بطل؟ ما الذي فعلته يا عامر؟!!
كان في طيات السؤال خبر مؤجل يجب على الفتى أن يعرفه، وأبعد وجهه عن العجوز ينظر إليه متسائلاً في صمت...
- لقد جاؤوا يسألون عنك...
- قتلوا جدتي وأختي؟، قال الفتى مرتعباً...
- لا، اطمئن...سألوا عنك، وفتشوا الكوخ وما حوله ثم مضوا...
كانت أخبار المجنون قد سبقته إلى القرية...ونزلت على القلوب المجروحة بلسماً...
- والآن يا عم شوكور هل أستطيع أن أذهب إلى البيت؟!!
الأفضل يابني أن تتريث بعض الشيء...يوماً أو يومين...وبعدها سنرى... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:00 am | |
| وكاد الفتى أنْ يسأل العجوز إنْ كاد يستطيع أنْ يذهب إلى القرية ليتصيد له الأخبار، ويؤَمِّن دخوله لزيارة جدته وأخته...لكنه تذكر أنه مطلوب مثلما صار هو مطلوباً... والضرير لا يقود ضريراً...لذلك أمسك عن ذلك، وكانت يد الشيخ تضغط على ذراعي الفتى في اعتزاز...ولولا أنّ أصابع العجوز قد ضغطت على جرح الفتى، لما دار بين الهاربين حديث حول الإصابة ... وتأوَّه المجنون، ليسأله صاحبُه:
- ما بك يا عامر؟!! ما الذي يؤلمك...؟!! وأشار المجنون إلى عضده...ناسياً أن الظلام يجعل إشارته خرساء بلا معنى، إذ لم يكن من الممكن أن يراها العجوز الذي عاد إلى السؤال في إلحاح:
- ما بك يا عامر؟
ودسّ يده في جيبه...أخرج علبة كبريت، خضّها يميناً وشمالاً فصدر منها صوت انتشى له فؤاد الفتى الذي كانت قطرات الماء من ثيابه قد بللت الأرض من تحته...وانقدح الشرر...وأعاد الشيخ الكَرَّة...وفي سكون الخرابة ووحشتها وبردها وُلدت شعلة صغيرة متدرجة اللون من الزرقة في أسفلها إلى الحمرة الباهتة في أعلاها...وعلى النار كشف الفتى ثوبه عن عضده...وأقبل عليه صاحبه يربطه بقطعة قماش مزقها مِنْ ردائه...وأحس بالتفريط وهو لا يستطيع أن يقدم غير ذلك لهذا الفتى الطيب المجنون، الذي عرفه صبياً يحضر مع أبيه وأخيه خالد صلاة الصبح في المسجد...
أحس الفتى بالارتخاء، رغم أن ثيابه لم تجف تماماً...وما هي إلا دقائق حتى كان يغط في نوم عميق، غير أن أناته لم تتوقف...
وجلس الشيخ إلى جانبه يعالج النار لئلا تخمد فيحس المصاب بالبرد ويستفيق...كان بين الحين والآخر يمد يده إلى كومة الحطب القريبة منه يستل منها أعواداً يطعمها لأفواه اللهب المشرئبة أعناقه...وكان طوال ذلك يتأمل الوجه البريء الذي تمتزج فيه الوداعة بالحزن ...ويقول لنفسه: أهذا هو المجنون الذي صارت القرية منذ يومين لا تنام ولا تصحو إلا على أخباره؟
كان العجوز صامتاً...أما النار فكانت تثرثر بطقطقاتها، تقول أشياء وأشياء، دون أن تقول شيئاً... مضى يومان...استردّ فيهما المصاب بعض عافيته...كان العجوز يغمره بحنانه، ويتعهده برعايته...وفي مساء هذا اليوم الثاني كان الإصرار على الرجوع إلى الكوخ قد بلغ عنده الذروة...أصوات نباح الكلاب تنبعث قوية وضعيفة، بحسب قربها وبعدها، تملأ القرية ضجة...وكان هو متسربلاًَ بالظلام تودعه عيون صديقه (شوكور) نحو القرية التي بدت الأضواء الخافتة تطل من أكواخها من خلال النوافذ الصغيرة وشقوق الأبواب...وهي تتوسد جبالها استعداداً للنوم...
أحس بقلبه يكاد يطير ليسبقه إلى الكوخ المتواضع حيث بقية عائلة هشمتها الأيام كجرة فخار ولم يبق منها هنا في ذلك الكوخ الحبيب إلى قلبه سوى قطعتين مشروختين بالحزن، وبوقع الفواجع المتتالية.
واقتربت خطاه...كان نباح الكلاب يملأ المكان ضجّة، وفكَّر في أن يُقبّلَ الجدران التي تقبع بينها الآن قطعتا الفخار المتبقيتان مِنْ زمن سعيد مضى...وللمجانين من مجنون(بني عامر) إلى مجنون(خاهزادشي) توافق أو تطابق...ومن ذلك قُبلاتهم التي يزرعونها على الحجارة، لا حباً في الحجارة، بل في من يسكنُها، ومدّ يده نحو الباب الذي لم يكن يظهر من خلال شقوقه نور في الداخل، فطرقه طرقات متواترة خفيفة. وخمن أن جدته وأخته قد تُروّعان بذلك إذ تحسبانه غريباً، فهمس محاذراً:
- أنا عـ ـامـ ر...يا جدتي...أنا عامر يا عائشة.
وسمع أخته في الداخل تقول مبتهجة:
- إنه عامر يا جدتي.
وانفتح الباب دون أن يُشعَل المصباحُ الزّيتي.
- ادخل يا بني...ادخل يا حبيبي...ادخل...هل أنت بخير يا ابني...؟!!
قال عامر: لما لا تشعلين المصباح يا جدتي؟ أليس لكم زيت؟
- لا يا بني...لقد جاؤوا للبحث عنك وربما يكونون الآن متربصين في مكان ما يراقبون.
- إذن أشعلي النار يا عائشة، قال عامر.
- لكن يا بني.
- لا تخافي يا جدتي.
حينما انبعث ضوء النار في المكان، كانت الجدة تزرع وجه المجنون بالقبلات، وتغسل وجهها هي بالدموع.
- ما الذي حدث يا عامر؟...قل لي...أنا جدتك.
كان الفتى صامتاً ينظر إليها وإلى أخته بعينين فيهما بريق عجيب، دون أن يقول شيئاً.
ولا حظت الجدة من بقعة الدم أن حفيدها مصاب، فصرخت كالملسوعة، ثمّ قامت باكية تحضر بعض الزيت، تغليه على النار لتداويه به...فعسى ولعل...وحين يفقد المرء ما لا بد منه يصبح استئناسه بما قد لا يكون له معنىً...لكنها الرحمة التي تسكن القلوب حتى مع ضعف الأيدي عن تقديم شيء...وأدخلت البنت إصبعيها عبْر ثقب وسادة، تُخرج بعض الصوف تتخذها جدتها لغسل الجرح بدل القطن.
انخلع الباب عن إطاره، وسقط على الأرض، ودخلت مع الغزاة نسمة باردة...كانوا يملؤون الكوخ.
- إذن أنت عامر.
اختطفوه كعصفور صغير...تشبثت به جدته، أرادت أن تقول له ما كانت تريد أن تقول لإبيه حين أخذوه:
اتــــــرك عنوانـــــــك يــــا ولـــــــدي. . . بــــدروب الظلمـــةِ في البلــــــد
فغـــــــدا أشــــــــتاق ولــــــــيس معـي. . . لليــــــالي الوحــــــدة مِنْ جَلَــــد
أما عائشة...فقد كان الشرخ في قلبها يستفحل، وهي تتشبث بالجدار في الزاوية، واقفة مروعة كعصفورة داهمتها الصقور، تنظر إلى أخيها، وتهمس مرعوبة:
- عامر...عامر...عامر.
وحين انطلقوا به في الظلام، مخلفين نباح الكلب ووجه الجدة المتيبّس الذي تحملق عيناه في الظلام، في أثر فتى مجنون أخذوه حافياً جائعاً مُصاباً إلى المصير المجهول...كانت هناك صبية صغيرة اسمها عائشة قد فقدت عقلها من هول الفجيعة. وحين حاولت جدتها أن تحضنها إليها، وجدتها يابسة كلوح مسنود إلى الجدار...تحملق في نقطة ثابتة...وتردد هامسة وهي ترتجف:
عامر...عامر...عامر.
وحين حملتها إلى فراشها، لا مست يدها بللاً في ثيابها...لقد تبوّلَت من الرعب...
من عيني وجه الجدة المتيبّس، سال خطان من الدمع حسرة على عائلة كانت سعيدة، مجتمعة الشمل...سقطتْ عليها صخرة الأيام فهشمتها..انفرط العِقد...ضاعت بعض حباته تحت التراب...وافتقد البعض...وحبّتان هناك يابستان...في قرية بعيدة...في كوخ منفرد..بلا باب، انطلق منه للمجهول في تلك الليلة الباردة فتى مجنون يقال له: (عامر).
تنفس الصبح...وغمر ضوءه القرية ووقف ينتظر مصيره، كانت عيناه صوب جدته وأخته، دمعت عيناه ثم ابتسم... وحين أزاحوا من تحت قدميه المصطبة تدلى في حبل المشنقة أمام أهالي القرية الذين جيء بهم ليأخذوا العبرة...وقد تمنى كل واحد منهم لو كان مـجنونـاً...
ــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه أمنيتي أيضاً...وأتمنى من الله أن تتحقق قريباً بإذن الله
وأسدل الستار...كانت هذه الـنـهـايـة... __________________ | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:01 am | |
| الحين خلصت روايه الجنون وراح ابدا برواية خيول الشوق ان شالله | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:04 am | |
| روايه خيول الشوق ((البداية )) نفض عن جبينه حبات التراب التي التصقت به أثناء السجود ، دون أن يكف عن تمرير رأس إبهامه على بواطن أصابعه مسبحاًَ ، ورنا ببصره إلى الأفق ..
كانت الآفاق المتكسرة فوق الجبال البعيدة تحرك فيه أشياء وأشياء .. وهبت نسمة هواء منعشة ،فأغمض عينيه وألقى بنفسه إليها وإلى أفكاره ... ومرّت في مخيلته صور سريعة، باهتة،ومتداخلة،اجتهد في تجاهلها ،لكنه لم يفلح ..
صورة عيني أمه ، بكل حنانها ،وأحزانها .. هما هما .. كما كان تأملها وهو يودعها منذ عشر سنوات .. حينما اغرورقتا وقالتا كل شي ... صورة جبين أبيه .. بتجعداته ، وأسرار نقوش العقود ...وهذه يد ابنه تمتد نحوه ، ... بـا... بـا كان عمره عامان ...وافتر الثغر الصغير الجميل عن ابتسامة محفوره إلى اليوم في ضلوعه .. أما ابنته الكبرى آمنه فكانت تمسك بذيل ثوب أمها تنظر إليه نظرات ابنة السبع سنوات.. بريئه كانت ،وكان كلما ابتعد خطوة ضغطت هي على ثوب أمها أكثر ...
كانت المره الأولى التي يدرك فيها أن زوجته تحفظ الشّعر ... وتبذره فوق الجراح أيضا ... قالت وهي تودعه :
هل ترانا نلتقي أم أنها كانت اللقيــــا على أرض الســراب ثم ولّت وتلاشــى ظلــــها واستحالت ذكريـــات للعذاب ؟!!
ومسح أبوه عن عينيه شيئاًََ ما ... مترقرقاًَ كالماء ...مالحاًَ كالبحر ... حارّاًَ كقلب ذائب ...
كانت الأفكار قاهرة لدرجة أنه تلاشــى فيها رغم مكابرته ، ولم ينتبه إلا على يد صاحبه أبي الوليد وهي تربت على كتفه ... أبا مصعب ....
كان كمن استله من عالم آخر استلالاًَ ترك فيه نصف جسده، نصف قلبه ، نصف روحه ، واستدار ، فإذا الذين أمّهم في صلاة العصر قد انصرفوا إلى حاجاتهم . وأدرك أبو الوليد مالذي يمور في صدر صاحبه ، فجلس إليه وتأمل وجهه ملياًَ، ثم نزل بعينيه إلى الأرض ، وقال وهو يعبث بعشبه خضراء يمسّحها برفق : عند الله استودعناهم ... ولله بعنا ...
فرد عليه : نعم البيع يـا أخي ، لكنها المضغة التي بين يدي الرحمن ، يتحرك بها الشوق بين الفينة والفينة فتسافر نحوهم تعانق أطيافهم ... هو ضعف البشر ياأبا الوليد ...
كانت الشمس تتحدر نحو مغيبها ،وكان المساء لطيفاًَ، تذوب فيه النفس ،وهي تسافر عبر الأفق الرحب...
كان الرجلان يجلسان على ذكرياتهما ... وكان الله يراهما ويسمع مايقولان ...
• * *
نزل الليل متئداًَ ، كشيخ على عكاز ... واختلطت حبيبات الظلام بحبات النور ، وتزايدت حتى احلولكت الفجاج ... كانت عيونهم صقوراًَ جارحة ، ووجوههم تتقلب في السماء تترقب مهو كائن منذ ليال ... القصف .. النار ... والتقطت الآذان أصواتا بعيدة تقترب ...
لقد جاؤوا ... قالها أبو تراب وهو يتحسس سلاحه .. وتحرك لسان أحدهم بنهر من نور بدد الظلام : ((ولاتهنوا في ابتغآء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالايرجون .. ))
كان الصوت شجيا ... وكانوا إخوة نأت ديارهم ، وجمعهم طريق الجنة ... من كل فج جاؤوا مستجيبين لنداء الحق ، :يـاخيل الله اركبي أرخوا الأعنة فطارت بهم السُّرج إلى هنا ...
اقترب الصوت أكثر ... تحركت الألسنة بالذكر ، وارتفعت العيون تراقب الطائرات ... صوت خطى تقترب مسرعة ، إنه القائد عبدالرحمن ، بطلعته التي أرهبت الروس أعواماًَ ، وصوته المرعد :
هل كل شي على مايرام ؟.. وجاء الجواب من الجميع : بإذن الله ..
كانت بطارية الصواريخ المضادة للطائرات تعيش آخر لحظات صمتها ن وهدوئها ... وكان أبو مصعب يقف قريباًَ منها يفكر في واقع هذه الأمه التي تصحو وتنام على أمطار النار والدمار في كل مكان ...
كان يسلي نفسه بكونه وإخوته معه ، يمتلكون سلاحاًَ يوجهون به أعداءهم ، وكان ذلك ماذكّره بأطفال صغار في فلسطين يقاتلون من دون سلاح ، ويواجهون النار بالصدور العارية ..
المأساة في كل مكان - قال لنفسه - في فلسطين ، والشيشان ، والبوسنة ، وكشمير والفيليبين ،وغيرها ... ومن عهد بلال رضي الله عنه وظهور المسلمين تُحرق ... وتنهّد وهو يقول : إنها المأساة ..
اقتربت الطائرات وحبست الأنفاس ، أما الأعين فلم تكن تخطئ تلك الكتل الحديدية التي تملأ هدوء الليل ضجيجاًَ مفزعاًَ ، وكانت تلك ليلة من ليال كثيرة تقضيها عيون الصقور مفتوحة إلى الفجر .
• * *
| |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:07 am | |
| كانت الأضواء الحمراء تتراقص على مدخل الكازينو .... وتوقفت السيارة السوداء الفخمة ، ونزلوا ... كان الجنرال بيكونين تشيخوف يعتمر قبعة صوفية ،ويلبس معطفاًَ أسود ، أو قريبا من السواد ... أما حذاؤه فكان يلمع ، وهو يدخل دون أن يرد على تحية بوابي الكازينو ...
وماهي إلا لحظات حتى دخل وراءه شابان ، قَلبَ أحدهما قبة معطفه على رقبته اتقاء للبرد ، أما الآخر ، وكان قصيرا ، فكان يبدو أنيقاًَ بطقمه الرسمي ...
كانت الأضواء الحمراء المتراقصة تعبيراًَ ناجحاًَ عن الجو ، جوّ الكازينو ...انغمس الجنرال في اللعب محتسياًَ كأسه ، واحتوشته الخسائر حتى رهن ساعته الذهبية، ومسّاك ربطة عنقه ، وأزرار قميصه الفاخرة ،وانتهى بعد ساعات إلى الإفلاس ....
قال وهو يضرب الطاولة بقبضته فتقرقع الكؤوس فوقها : حظ سيئ.
كان الشابان يراقبانه من بعيد ، هل هما من حرسه ؟
أم من رجال المخابرت الروسية ؟!
وهمَّ بالانصراف ، وعند الباب ، اقترب منه أحدهم وقال له ، وهو يحاول أن لايلفت انتباه الآخرين : يبدو أنك في حاجه إلى بعض المال ياسيدي ... ؟
والتفت الجنرال وهو يقول : هذا أنت ؟!!
فرد الشاب : نعم ، دائماًَ أكون معك في لحظة الغرق والحاجة ، وأعرض قارب نجدتي .. مارأيك في عشرين ألف دولار؟!!
وبدا أن الجنرال لايهتم بالعرض كثيراًَ، فهز رأسه، وابتسم ، وواصل مشيه نحو سيارته .
أما الشاب فواصل قوله : الأمر يس صدقة ... وهناك مقابل ، أظن أن ذلك يطمئنك ...
كان الرجلان قد وصلا إلى السيارة ، وقد فتح السائق بابها الخلفي ووقف شبه منحن منتظراًَ ركوب الجنرال .
هبت نسمة قارسة ، فارتجف الشاب صاحب المعطف ، وخبأ رقبته في قبة معطفه أكثر ...وقال وهو يزم فمه ويقطب جبينه : يبدو أن الحظ لم يحالفك هذه الليله مرتين ياسيدي .. لابأس سأنصرف ومشى خطوات .. وتأمله الجنرال من الخلف جيداًَ ثم قال له :
لابأس ، ماهو المطلوب ؟..
كان الشاب كأنه يدرك حين انصرف أن الجنرال سيستوقفه ..وتراجع إليه وهو يقول : صفقة ...
كان لابد من مكان للتفاوض ، ولذلك فقد صرف الجنرال سائقه إلى داخل
الكازينو ، بينما ركب هو والشابان السيارة ... وبحركة سريعة توجس منها
الجنرال ضغط أحد الشابين زراًَ جانبياًَ في السيارة طلباًَ للضوء ، ثم أخرج
من جيبه ورقة ... وعرضها على الجنرال وهو يقول : هل تذكر هذه
ياسيدي الجنرال ..؟ إنها بخط يدك ..
وألقى الجنرال نظرة سريعة على الورقة ، وأدرك ماهي ، وسقط في يده ..
_ .. إنها صفقة السلاح الذي بعته للقائد الشيشاني منذ عام ، وحينها ادعيت أمام القيادة الروسية انك خسرته في معركه طاحنة .. إنها إدانه أليس كذلك ؟..
_ الآن يمكنك أن تستل مسدسك وتقتل واحداًَ منا .. وإن كنت أسرع فقد تقتلنا نحن الاثنين .. لكن الذين أرسلونا يمتلكون أصل الوثيقة ، وسينشرونها في صحيفة ( البرافدا) يوم السبت القادم ... هذا كل ماعندنا ..
قال الشاب ذلك وهمَّ بالنزول من السيارة مع صاحبه غير أن الجنرال استوقفهما في شبه استجداء : مهلاًَ ... لكننا لم نكمل حديثنا ..وفهم الشابان أن الفريسة قد وقعت في الكمين ، وعادا إلى الداخل :
_ عشرون ألف دولار .. قال أحدهما .
وقال الآخر : مع عدم نشر الوثيقة طبعاًَ
قال الجنرال : والمقابل ؟
نحن بحاجة إلى عملية كبيرة نكسر بها التعتيم الإعلامي الذي تمارسه حكومتكم على عملياتنا ..
تريدون سلاحاًَ إذن .. قال الجنرال ..
فقال الشاب : سلاحاًَ وجنوداًَ .. قرابة خمسين ، فإن كانوا سبعين فذلك كرم منك لن ننساه ، وسندفع .. ومازاد على ذلك فبكل رأس ألف دولار ... ومعك الوقت وآلتك الحاسبة ، فعُدَّ ثروتك ، وسنلتقي غداًَ لإعطائك التفاصيل ..
قال الجنرال بنبرة اندهاش :
مستحيل .. كيف أرسل سبعين أو مائة جندي إلى كمين مصيدة ليلقوا حتفهم هناك ؟ .. هذه خيانة عظمى !!!
فقال الشاب :
إذن هناك غيرك سيفعلها .. ولاتنس يوم السبت أن تشتري صحيفة ( البرافدا ).
وقام الشاب بحركة كأنه يريد النزول ، فأمسك الجنرال بمنكبه وهو يقول :
متى ؟.. وأين ؟ فرد عليه الشابان بصوت موحد :
غداًَ نلتقي ونتحدث .. وانصرفا ليبتلعهما وحش الظلام عند نهاية الشارع .
• * | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:09 am | |
| جلس الشيخ عبدالعزيز تحيطه هالة الوقار ، ويزّينه الصمت ، وجلس المجاهدون حوله ، كانوا ثلاثين ، ينقصون أو يزيدون قليلاًَ ، وافتتح كماهي العادة موعظته ب _إن الحمدلله ، نحمده .. ثم قرأ خطبة الحاجة ، ودخل في الموضوع ، كان درساًَ في العقيدة ، في قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى... ) وراح بأسلوبه الجميل يفسر معنى العرش ، ويعطي مأثور العلماء في الإستواء مثبتاًَ أن الله تعالى في السماء ، وأن الاعتقاد الصحيح في إثبات صفات الله وأسمائه سبحانه ، دون تعطيل ولاتأويل ولاتشبيه ، ثم قال : من أجل هذا الذي في السماء ،الذي استوى على العرش ، تطير بنا أشواق الجهاد والجنة من قفر إلى قفر .لقد قاتل الكثير منكم في أفغانستان ودحروا الروس ثم طاروا شُعثاًَ غبرا إلى البوسنة والهرسك ، ثم هم اليوم في الشيشان ، ومن ثغر إلى ثغر ، ليس لهم سوى الشوق إلى وجه الله الذي في السماء ، الذي استوى على عرشه ...
كانت الرؤوس كأن عليها الطير .. وكانت الكلمات المنسابة تزيد المجاهدين ثباتاًَ ...وأشار الشيخ عبدالعزيز إلى شيخ مسنّ ، ترك الدار ودفئ الأسرة، وجاء يقطع الوهاد والنجود ، يتوكأ على شيبته ، يريد وجه الله الذي استوى على العرش .. وسأله الشيخ عبدالعزيز :
ياشيخ مروان ، قل للعالم كله لماذا جئت ؟
واقترب شاب يحمل آلة تصوير فيديو من الشيخ مروان ووجه العدسة نحوه .. ورفع صاحب الشيبة وجهه السبعيني بتغضناته ، وتجعداته ، وآثار العقود ... وترقرقت في عينيه دمعتان ، وقال :
أنا رجل أميّ ، عشت فقيراًَ، لكن إمام المسجد هزني مرّه وهو يفسر قوله تعالى : (انفروا خفافاًَ وثقالاًَ ...)وقال : خفافاًَ بالشباب ،ثقالاًَبالشيخوخة... وذكر قصة أبي أيوب الأنصاري ،فقررت أن ألتحق بالمجاهدين .. أعيش في ظلهم .. أدعو لهم قبل انتقالهم إلى المعارك ، وأحتضنهم حين يعودون ، وأعوضهم شيئاًَ قليلاًَ من حنان آبائهم ...أرتجي بذلك وجه الله ،فلعله يرحم هذه الشيبة التي خرجت لوجهه الكريم تقطع الفجاج بمرضها وكبرها وعجزها ...
والتفت المصور بعدسته إلى الحاضرين فإذا البكاء قد ألقى عليهم رداءه ، والتقطت آلة التصوير صورة أخرى من صور الرحلات إلى الله ليشاهدها الكثيرون بعد هذا في مشارق الأرض ومغاربها ...
وتحركت شفاه الشيخ عبدالعزيز فقال :
لطالما ألقينا الدروس قبل أن نخرج للجهاد عن الله الذي في السماء ، لكننا كنـا مرتبطين بآلهة الأرض أكثر ، نخشاها ونرجوها ، فآه يابن المبارك وأنت تقول :
ياعابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب من كان يخضب وجهه بدموعه فنحورنا بدمــــائنـــا تتخضب أو كان يُتعب خيله في باطل فخيولنـــا يوم الكريـــــهة تتعب
فيا للخيول المظلومة في مضامير السباق في الأندية .. ياللخيول المعطلة عن مضمارها الحق ... ياللفرسان الذين يطيرون على السرج طلباًَ للكؤوس الذهبية ، ليتهم فقط جربوا أن يطيروا لحظة واحدة لله الذي في السماء .. والخيل إن لم تكن : (والعديت ضبحا *فالموريت قدحا*فالمغيرات صبحا*فأثرن به نقعا* فوسطن به جمعا) فماهي .. ؟ ما الخيل إن لم تكن ذلك ؟!!
وانتهت الموعظة ... وتحلق بعضهم حول الشيخ مروان ، محتفين به ، مباركين سعيه ، وبعد ساعة انشغل كل بدأبه ، وجلس أبو مصعب محتضناًَ سلاحه يمسحه ،وأقبل عليه أزرق اليمامة من بعيد وهو يقول : هل هناك عاقل يترك القصر المنيف ، وسيارة الشبح ، وأولاده ، وصيف لندن ، وما أدراك ماصيف لندن ، ويأتي إلى هذه البقعه لينام على القش في العراء ثم يصبح ليمسح قطعة حديد ؟!!
وانفجر أبو مصعب ضاحكاًَ ، دون أن يرفع رأسه نحوه ...
وكان أزرق اليمامة شاباًَ مرحاًَ ، صاحب نكتة ، يسرّي عن المجاهدين أحزانهم بذلك ، وكان أعشى ، لايكد يفرق في الليل بين الدّبابة والشجرة ، لذلك كان على أحد إخوانه أن يمسك بيده ويقوده كلما جاء المساء ، وأظلمت الدنيا في وجهه ، كما كان يقول ...
واستمع مرة إلى الشيخ عبدالعزيز في شهر رمضان وهو يتحدث عن قوله تعالى : ( حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ..) فســـأله : في أي ساعة ذلك ياشيخ فقال الشيخ عبدالعزيز : في الفجر. فغمز أزرق اليمامة أحد الجالسين إلى جانبه وهو يقول له : الفجر ؟أنا لاأفرق الفيل الأبيض من الفيل الأسود ، فعل أفرق الخيطين؟!!
واقترب أزرق اليمامة من أبي مصعب ، وأقبل أبو الوليد فسأله : مالذي خرج بك يا أزرق ؟ فرد عليه : أجاهد معكم .. فقال أبو الوليد : إنك تجاهد فينا .. ولو أعفيتنا لكان لك الأجر الجزيل .. إنك في صف الرّوس يارجل .. هل نحن هنا لنقاتل أم لنقود العميان ؟ ونطق أحدهم وكان يجلس غير بعيد : لقد أعفاه الله حين قال: (ليس على الأعمى حرج ) لكنه لم يُعفِ نفسه ، وجاء فقط ليدهس أرجلنا برجليه حين نقوده في الليل ، تصور يارجل مايقوده ليلة أحدنا إلا وتصبح رجله التي تليه حين يقوده زرقاء متورمة من الأذى .. فأي جهاد كهذا ؟!!
ويبدو أن أزرق اليمامة لم يستطع أن يتحمل أكثر فقال : ألم تعلموا أنكم تُنصرون بضعفائكم ؟!! ثم إني كنت أعيش في بلادي ، لا أجد من يقودني في الليل ، فقلت في نفسي ليس أمامك إلا المجاهدون .. وسأستدل عليهم ببعض الأدلة في إعانة الضعفاء وقيادة العميان وأحقق مرادي...
قال أبو الوليد اذن أنت تستغل عقولنا ؟!! فرد عليه : عقولكم !! لو كانت لكم عقول فعلاًَ لما تركتم صيف لندن لتبيتوا تحت الجليد ...
ومرَّ الشيخ عبدالعزيز ، وحانت من الأزرق نظرة فرآه ، وعلم أنه قد سمعه ، فغير معنى الكلام ، وهو يقول : وفي الجليد خير وبركة لمن صبر ... فاصبروا يا إخوتي .. وكتم الجميع بركان ضحكاتهم ... وابتسم الشيخ عبدالعزيز مارّاًَ .
• * * | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:10 am | |
| كانت الأنباء تتحدث عن عناصر الموساد الذين قدموا إلى روسيا وزاروا الشيشان ، وقالت الصحف : إنهم خبراء عسكريون جاؤوا يعرضون على روسيا ترميم منشآتها النووية المتآكلة خوفاًَ من أن يحدث لها ماحدث لمفاعل تشيرنوبل كما أن في جدول زيارتهم أيضاًَ حديث مع الروس عن محطة رصد الصواريخ الموجودة في ميشيلينكا التي تغطي قطاعاًَ يشمل كوريا الشمالية ، وعن قاعدة الرادار في لياكي في أذربيجان .. وعن ملف إسلاميي جيورجيا .. فلماذا تعرض إسرائيل كل خدمتها تلك ؟ وما المقابل ؟!!
كان السؤال كبيراًَ بحاجة إلى جواب مطلع .. لاتكهن خبير أو محلل ، وكان القائد أبو عبدالرحمن يخلو إلى أركان جماعته ، يحسسهم بخطورة الزيارة ويدعوهم إلى التفكير في مايجب فعله ...
كانت الغرفة نصف مضاءة ... على أحد جدرانها خريطة كبيرة ، وعلى الطاولة المستطيلة خريطة عمليات يغلب عليها اللون الأصفر ...
كان القائد أبو عبدالرحمن متوتراًَ ، يمسك لحيته بيده ، يفركها ، ويعود يمسّحها من أعلى إلى أسفل ، ولم يكن الوحيد المتوتر فيما يبدو ... فقد كان الموضوع حساساًَ يتطلب معلومة دقيقة ، ورأياًَ صائباًَ بعد ذلك ..
وكان أبو سعيد من المستشارين البارزين لقيادة الجهاد ، وقد كان رأيه أن يرسل اثنان من المجاهدين إلى روسيا لاستجلاء الخبر من مصدره ... ولعل ذلك الرأي كان الأقرب إلى ماكان يفكر فيه القائد وبعض حضور الإجتماع ، لذلك فقد تم الإفاق على تنفيذه ، وكلف أحدهم باختيار من يقوم بالمهمة .. وانتهى الإجتماع .
• * *
في المكان ذاته الذي قابلا فيه الجنرال بيكونين تشيخوف وغير بعيد من الكازينو ، كان الشابان في الموعد ينتظران ... ومن بعيد في رأس الشارع ظهرت سيارة الجنرال ... وحك أحد الشابين كفاًَ بكف وهو يرمقها بتوتر واضح ، أما الآخر فقال : جنرالات العــار .. وبصق على الأرض . وتوقفت السيارة ، وأطل الوجه الأحمر المكتنز من زجاجها الخلفي ، وأشار إلى الشابين فاقتربا وركبا ، ونزل السائق قاصداًَ الكازينو .
كانت الساعة حوالي العاشرة والنصف ليلاًَ ، وكان الزجاج المضبب لنوافذ سيارة الجنرال يجعل من الصعب معرفة من بداخلها ، حتى وإن كان من المحتمل جداًَ أن يكون في الكازينو أو قريباًَ منه بعض عناصر المخابرات الروسية ...
سعل أحد الشابين ، ليخفي صوت ضغط زر المسجلة التي يخبئها تحته ، وقال الجنرال : أظننا ..
وقاطعه الشاب الآخر :
هناك أشياء جديدة طارئة ياجنرال .
فالتفت إليه الجنرال وتأمل وجهه في استغراب وكأنه أحس بمؤامرة أوسع من المتفق عليه سالفاًَ ، وقال أشياء جديدة ؟ ماذا تقصد ؟
قال الشاب : أين يقيم عناصر الموساد الذين يقومون بزيارة للمنطقة ؟ ولماذا هم هنا ؟
وراح الشاب يطرح أسئلته في عجلة وسرعه ،فاستوقفه الجنرال ، وهو يقول :
لاعلم لي بكل هذا أظن الذي يزور المنطقة هم خبراء وليس عناصر استخبارات الموساد ... وربما وجهتهم جيورجيا بعد أن أعلنت روسيا أن عناصر إسلامية توافدت عليها ... روسيا طبعاًَ صرحت بذلك لتطلق أمريكا يدها في جيورجيا المطالبة بالانفصال ، لكن الأمريكان استغلوا التصريح الروسي ليدفعوا بمئات الخبراء إلى هناك لملاحقة هؤلاء الإسلاميين ، وكأن التصريح الروسي كان بطاقة دعوة لهم ليرسخوا وجودهم في المنطقة ...
كان يبدو على الجنرال أنه يتكلم بدون حماس ، وفجأه فتح الباب ، مد يده إلى الخارج وقال إنه الثـلج .. كانت مناديف الثلج الصغير تتنزل مترنحة حتى إذا بلغت الأرض احتضنتها وذابت فيها ، ولم يأبه الشابان بالخبر ، ولعلهما أحسا أن الجنرال يريد أن يتهرب من الجواب ، فأعاد أحدهما عليه السؤال :
مسألة معرفة مكان إقامة عناصر الموساد تهمنا كثيراًَ ... طبعاًَ كل شي بثمنه . وسعل الجنرال سعلات خفيفة متتالية ، ثم قال تعرفون أن القضية ليست سهلة ، وإفشاء سرّ كهذا .... وقاطعه أحد الشابين : وماندفعه لن يكون قليلا ًَ .. خمسين ألف دولار . وحك الجنرال ذقنه وهو يقول : يقيمون في فندق ( القصر الأحمر ) تسعة أفراد ، لاأعرف شيئاًَ عن الملفات التي تأبطوها إلى هنا ، ولا عن جدول أعمالهم . قال أحد الشابين : والأمر لذي تركنا لك مهلة لدراسته ؟ فرد الجنرال : يوم الثلاثاء القادم ، سنرسل قوة روسية للقيام بعملية تمشيط في المنطقة (ب) المطلة على غروزني .
فقال أحد الشباب وقد بدا عليه النشاط والحزم : متى بالضبط ... وكم تعداد القوة ؟ وماسلاحها ؟
قال الجنرال :
ثلاثمائة جندي في قافلة من الشاحنات تتجه إلى المكان المذكور ، معهم أسلحة محمولة ، وبعض مدافع الدكتاريوف ، يقودهم الجنرال السلافي تشرنو مردن زيغانوف .
فقال أحد الشابين في شبه جملة اعتراضية أو تعليق :
عدوك ... ؟!! قال الجنرال:
نعم هو .. لاأعرف كيف يتقرب إلى القيادة العليا في البلاد وكيف يحرز الحظوة والاهتمام .. ؟
فرد أحد الشابين : إذن أنت أيضاًَ ستستفيد من هذه العملية ، إذ أنك ستتخلص من عدوك ، وهذا يفترض خصماًَ على المقابل الذي ستتقاضاه في هذه الصفقة ...
قال الجنرال : لكن .. ؟!!
لاتهتم ستأخذ حقك مثلما اتفقنا ، نحن مسلمون ، والوعد عندنا التزام وعبادة ..
قال الجنرال : أعلم ذلك ..
كانت مناديف الثلج قد ازدادت وتكاثرت وكان أحد الشابين يفتح باب السيارة وينزل ، أما الشاب الآخر فقد أخرج من تحته آلة التسجيل وقال للجنرال :
كان لدينا عنك وثيقة مكتوبة ، والآن عندنا الصوت ...
وفي المرة القادمة سنحضر معنا كاميرا فيديو .. خذ هذه ..
( وألقى إليه بحزمة من الدولارات ) فالتقطها الجنرال من حجره ، ودسها في جيب سترته الداخلي وهو يقول :
شكـــراًَ لكم ... مع السلامة .. مع السلامة . ( وتبعهما بعينيه وهما يغيبان في ظلام شارع جانبي . | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:10 am | |
| الأرض أم العقيدة ؟!!
المادة أم القيمة ؟!!
التراب أم الثقافة ؟!!
كانت الفكرة تلح على ناصر الدين وقد استلقى على ظهره بعد ساعات التدريب القاسية ، وكان شابا مجاهدا يتقد حيوية وذكاء ، يميل إلى الوحدة والخلوة ، شجاعاًَ، مقداماًَ، يطلب الموت ويتحدر على العدو تحدراًَ، له بسطة في العلم والجسم، في الثلاثين من العمر ، لحيته كثة، لاتراه إلا مشغولا ًَ ، حفظ القران الكريم في سنوات الجهاد ، يتغنى به على الدوام ، ويحب سورة الأنفال ...
التراب أم العقيدة ؟!! هل خلق الإنسان من أجل الأرض أم خلقت الأرض من أجل الإنسان ؟!!
ولماذا يموت الإنسان من أجل الأرض التي خلقت لأجله .. أهي الغاية ؟!!
استوى جالسا ًَ ، وكان أبو الوليد وأبو مصعب يراقبانه من بعيد ... ربما كان يبدو عليه التوتر ... لكن بالتأكيد لم يكونا يعرفان سبب توتره ، لذلك اقتربا منه ، وسلما :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
فرد التحية بأحسن منها ، ولم يرفع بصره عن الأرض ، كانت الفكرة تستولي عليه ، ولربما تمنى لو أنه بقي لوحده وقتاًَ أطول يتسنى له فيه حسم هذه الإشكالية ، وبادره أبو الوليد :
مالأمر ياناصر الدين ؟
ليس هناك شي ، فقط هي الأفكار
الأفكار أم الشوق ؟
ومرّ أزرق اليمامة فقال :
دعوا المسكين يذهب ليتزوج مثل جميع أترابه .. ألا ترون أنه بدأ يعجز ويخرف ، وإذا ماتماديتم في استبقائه فسيصيبه الصدأ والتآكل ويفوته القطار ...
ودون أن يتوقف عن المشي إلى مقصده أضاف أزرق وهو يتمتم : أمرهم عجيب .. يتركون الطيبات وصيف لندن ليبيتوا تحت الجليد ..
وضحك الثلاثة ، ووجدها أبو الوليد فرصة ليعرف مايفكر فيه صاحبه ليسرّي عنه ، فسأله :
هل هو الشوق إلى الأهل ، أم الرغبة في الزواج كما يقول أزرق ؟!!
فرد ناصر الدين وهو يمسح زجاج ساعته :
في فلسطين اليوم أطفال وشيوخ يموتون من أجل الأرض .. من الأولى : الأرض أم الإنسان ؟ هنا وفي كل مكان يقاتل الناس ويموتون من أجل الأرض ... وفي كثير من البقاع يموت آلاف وملايين الشهداء من أجل أرض ما ، وبعد إستقلالها تقام فيها الكازينوهات وتحكم بالشيوعية أو قوانين الأرض ... وتصبح قيمة الإنسان فيها كقيمة فردة حذاء .. فهل يقاتل العاقل من أجل الوصول إلى مثل هذا الواقع ؟ هل يقاتل من أجل أن يحرر بلاده ليكون فيها ممنوعاًَ من ممارسة دينه كما أراده الله تعالى ؟!!
قال أبو الوليد : فعلا فكرة شائكة ..
وقال أبو مصعب :
.......... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:10 am | |
| الأرض أم العقيدة ؟!!
المادة أم القيمة ؟!!
التراب أم الثقافة ؟!!
كانت الفكرة تلح على ناصر الدين وقد استلقى على ظهره بعد ساعات التدريب القاسية ، وكان شابا مجاهدا يتقد حيوية وذكاء ، يميل إلى الوحدة والخلوة ، شجاعاًَ، مقداماًَ، يطلب الموت ويتحدر على العدو تحدراًَ، له بسطة في العلم والجسم، في الثلاثين من العمر ، لحيته كثة، لاتراه إلا مشغولا ًَ ، حفظ القران الكريم في سنوات الجهاد ، يتغنى به على الدوام ، ويحب سورة الأنفال ...
التراب أم العقيدة ؟!! هل خلق الإنسان من أجل الأرض أم خلقت الأرض من أجل الإنسان ؟!!
ولماذا يموت الإنسان من أجل الأرض التي خلقت لأجله .. أهي الغاية ؟!!
استوى جالسا ًَ ، وكان أبو الوليد وأبو مصعب يراقبانه من بعيد ... ربما كان يبدو عليه التوتر ... لكن بالتأكيد لم يكونا يعرفان سبب توتره ، لذلك اقتربا منه ، وسلما :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
فرد التحية بأحسن منها ، ولم يرفع بصره عن الأرض ، كانت الفكرة تستولي عليه ، ولربما تمنى لو أنه بقي لوحده وقتاًَ أطول يتسنى له فيه حسم هذه الإشكالية ، وبادره أبو الوليد :
مالأمر ياناصر الدين ؟
ليس هناك شي ، فقط هي الأفكار
الأفكار أم الشوق ؟
ومرّ أزرق اليمامة فقال :
دعوا المسكين يذهب ليتزوج مثل جميع أترابه .. ألا ترون أنه بدأ يعجز ويخرف ، وإذا ماتماديتم في استبقائه فسيصيبه الصدأ والتآكل ويفوته القطار ...
ودون أن يتوقف عن المشي إلى مقصده أضاف أزرق وهو يتمتم : أمرهم عجيب .. يتركون الطيبات وصيف لندن ليبيتوا تحت الجليد ..
وضحك الثلاثة ، ووجدها أبو الوليد فرصة ليعرف مايفكر فيه صاحبه ليسرّي عنه ، فسأله :
هل هو الشوق إلى الأهل ، أم الرغبة في الزواج كما يقول أزرق ؟!!
فرد ناصر الدين وهو يمسح زجاج ساعته :
في فلسطين اليوم أطفال وشيوخ يموتون من أجل الأرض .. من الأولى : الأرض أم الإنسان ؟ هنا وفي كل مكان يقاتل الناس ويموتون من أجل الأرض ... وفي كثير من البقاع يموت آلاف وملايين الشهداء من أجل أرض ما ، وبعد إستقلالها تقام فيها الكازينوهات وتحكم بالشيوعية أو قوانين الأرض ... وتصبح قيمة الإنسان فيها كقيمة فردة حذاء .. فهل يقاتل العاقل من أجل الوصول إلى مثل هذا الواقع ؟ هل يقاتل من أجل أن يحرر بلاده ليكون فيها ممنوعاًَ من ممارسة دينه كما أراده الله تعالى ؟!!
قال أبو الوليد : فعلا فكرة شائكة ..
وقال أبو مصعب :
.......... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:11 am | |
| قال أبو الوليد : فعلا فكرة شائكة ..
وقال أبو مصعب : تحرير الأر ض يقوم على فكرة الاستخلاف والتمكين والنية التي يجب أن تنعقد حول تحرير الأرض كأرض للإسلام والمسلمين تقام فيها الشريعة ، لذلك فإن الجهاد ليس لتحرير التراب ،بل للحفاظ على أرض العقيدة وعلى إنسان العقيدة في أرض الإسلام .. وإلا فإن المسلم أعظم عند الله من كل مادة وتراب ، ومن كل أرض .. وهو أشد حرمة من الكعبة .. إننا نقاتل من أجل أرض غرس فها أجدادنا نخيل التوحيد ، فجاء الغازي يجتثها ويقيم فيها الغرقد ، وأشجار رؤوس الشياطين والإلحاد .
القضية هنا ليست قضية أرض أجداد ، فالمسلم ، مثلاًَ ، لا يجوز له ، إن كان روسيا مثلاًَ ، أن يقاتل الفاتحين المسلمين فقط لأنهم يريدون أخذ روسيا ، أرض أجداده ... كما أن المسلم لايجوز له أن يتخلى عن الدفاع عن أرض إسلامية محتله لكونها ليست أرض أجداده .. إن وحدتنا عقديّه .. لاجغرافية .. نحن أمة واحدة .. حتى وإن تفرقت بنا الأمصار والديار .
ونطق أزق اليمامة ليكتشف الثلاثة أنه انضم الى مجلسهم ، وقال لناصر الدين وهو يشير إلى بسطة جسده :
هذا الطول والعرض ولاتفهم الأمور حتى يفهمك فيها أبو الوليد وصاحبه ، وهما إن عُجنا جميعاًَ لايصنع من طينتهما مثل هذه القامة المتعبة التي مافتئت تحملها وتدور بها منذ ثلاثين سنة ، ثم في الأخير جئت بها إلى هنا لتستلقي بها على قرابة نصف مساحة أرض الشيشان ولتطرح الأسئلة التي لامعنى لها .. ومادخلك أنت في كل هذه الأسئلة والمشاكل .. ؟
قاتل المشركين كافة ولايهمك ، وحتى إذا لم تتحرر الأرض فأنت تنقص من أعداد أعداء الله ، ولك الأجر .
وهم كذلك مرّ حامد الطباخ ، وفي يده كيس شفاف من الخضر ، وقال :
ياأزرق .. هيا معي لإعداد الغداء ، وتقشير الخضر ، فحدجه أزرق بنظرة شزراء ، ثم نفض أطرافه بحنق ولحق به ، وكأنه تذكر شيئاًَ بعد خطوات فالتفت إلى الجماعة وقال لهم :
إذن أنا لاأصلح للنقاش .. سترون ماذا أضع لكم في المرق ..
وانفجر أبو الوليد ضاحكاًَ وهو يقول :
جزاك الله خير ياأزرق .. وجودك ضروري فعلاًَ جزاك الله عن المجاهدين خير جزاء أيها المجاهد الطيب ...
• * *
كانت الليله حاسمة ، وبين السحب المتدافعة في اسماء ، كان القمر يظهر ويختفي كسباح متسابق يأخذ من الهواء نفساًَ ثم يعود للماء ...
كانت الخيام القليلة المبثوثة بين أشجار الغابة عرائن تحتضن أسودها لساعات أخيرة قبل الخروج إلى موعد حاسم ...
ليلة الإثنين إلى الثلاثاء ... الجو بارد ، والمكان قطعة جميلة يصنعها نور القمر وهو يتنزل هادئاًَ على الأرض ، بعضهم كان قد آوى إلى فراشه يتزود بقسط من الراحة والدفئ ، أما البعض الآخر فآثر أن يسهر ليله بالقيام .. وفي حرارة السجود يصعد صوت غريب مشرد إلى ربه العظيم :
.. اللهم إننا ضعفاء إلا إليك ، فَقَونا وانصرنا على من عادانا ... وتتحدر على الأرض دمعتان ، كان قدرهما أن تتحدرا هنا ، لتكونا شاهدتين على صاحبهما ...
ولم يكن سالم إلا ذلك الشاب لذي تحرقه أشواق الشهادة فلايسمعه إخوانه إلا ملحاًَ في طلبها بدعائه ... في ذلك المساء وصلته رسالة من أخيه ، يقول فيها : مات والدي بعد رحيلك عنا بسنة .. وبقيت أمي تضم طيفك كل ليلة وتنام على دموعها ، والبارحة بردت يدها الدافئة ، وصدرها الحنون كف عن النبض ، أتعبها المرض ، وكان آخر ماقالت قبل التشهد : أقلب بصري فأرى وجوهكم جميعا ًَ ، وحده وجه سالم الحبيب يظل بعيداًَ .. اشتقت إليه .. بلغوه سلامي ..
كان وجه أمه في ذاكرته باهتاًَ كقنديل خافت .. وطالت سجدته ، وهو يدعو بحرقة تشي بها يداه وهما تتشبثان بالتراب تشبثاًَ :
اللهم لوجهك الكريم خرجت ، تركت قلب أم ... يــارب ... فارحمها ، وارحم والدي ، واجمعنا قريباًَ في مستقر رحمتك .. اللهم شهادة ينتهي بها اغترابي وشوقي ... هذا عبدك الضعيف يدعوك وقد غابت العينان اللتان كانتا تحترقان لأجله .. يارب شهادة ... شهادة ... شهادة ، وغمغم غمغمة كسير .. وبكى وأبكى ..
وكان أبو مصعب قائما ًَ قريباًَ ، اعتصره الموقف ، وهو يرتل آيات الكتاب الكريم ، يخنقه النشيج ...
فيا للفتية الغرباء .. فتية العراء والبعد حين يعتصرهم الشوق .. فتية الله الذين أخرجهم الواجب ، أو شردهم الظلم ...
كان القمر فوق قبر أم سالم صامتاًَ .. كما كان فوق ابنها الساجد في أقاصي الأرض ونائيها شاحباًَ تائهاًَ ... وكانت حرارة السجود تنسي برودة الجو التي تتغلغل في المفاصل في ليل العراء ... الليل شيخ مسن يجر أقدمه نحو الفجر ، متئداًَ بطيئاًَ ... أما نبض القلوب كان قنبلة موقوتة ... ثوانيها وقع أقدام ... والانتظار على وقعها أشد من الموت .. وتنفس الفجر .. وماهي إلا ساعة حتى انقضت صلاة الجماعة ، ودبت الجلبة ، فهذا يلبس بزته ، وذاك يعد سلاحه ، وذلك يعانق أخاه ..
وهبت نسمتان ... ريحان ... ريح للنصر .. وريح للجنة ..
واستنشق كل مجاهد ماكتب الله له .. وأصدرت الأرجل أصواتاًَ متداخلة ، وهي تتحرك نحو مقصودها ..
وكان لسان سالم :
الشهادة يارب .. الشهادة . | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:12 am | |
| الساعة السادسة صباحاًَ ... كانت الساعة الضخمة المنتصبة في الساحة العامة تشير إلى ذلك بدقاتها المزعجة .
كانوا ثلاثة يقطعون الشارع نحو باب الفندق في صمت .. ثيابهم أنيقه ورسمية ، يقع في نفس الذي يراهم من الوهلة الأولى أنهم رجال أعمال ، أو ذوو هيئات ، لذلك لم يستوقفهم أو يسألهم أحد ، وانحنــى لهم العمال في المدخل ، واستأذنهم غيرهم في إيصال حقائبهم إلى غرفهم ، لكنهم اعتذروا ... وكان أحدهم في عربة إعاقة يدفعه أحد صاحبيه ..
في المصعد تأملوا هندامهم في المرآه وأرخى محمود ربطة عنقه قليلاًَ مبديا منها تذمراًَ بكلمات مبهمة وخافتة .
بعد لحظات كان الرقم الالكتروني (5) يرتسم بالضوء الأحمر فوق باب المصعد ..
إنه الطبق الخامس ، لننزل ، قال جميل الرحمن ، وهو يلتقط حقيبته من أرضية المصعد ..
وانفتح الباب .. وأطل بدر على الرواق الطويل ، فبدا هادئاًَ ، خالياًَ من المقيمين والعمال ، وأشار إلى صاحبيه وبخطى لايسمع وقعها على السجاد الأحمر أخذ الثلاثة طريقهم نحو الغرفة ( 503 ) يدفعون العربة ، كان الباب موارباًَ دفعوه بهدوء واحتراس ، ودخل جميل الرحمن وبدر ، أما محمود فقد ألقى نظرة على الرواق ليتأكد أن لاأحد قد رآهم ، ثم دخل وأوصد الباب خلفه ..
كان أحمد في انتظارهم ، ألقوا السلام فردّ وهو يأخذ من تحت سريره كيس قماش أبيض ويناوله لجميل الرحمن الذي فتحه بسرعه وهو يقول :
جيد .. جيد .. جزاك الله خيراًَ
وألقى خنجراًَ إلى محمود ، كما ألقى بطاقه إلكترونية لفتح الباب إلى بدر ، وأخذ هو إبرة ( حقنة ) طبية مملوءة سائلاًَ ، وقال لأحمد :
كيف فعلت كل هذا بهذه السرعة ..؟
قال أحمد :
عطلت كهرباء غرفته ، هذه المجاورة عن اليسار ، رقمها ( 504) وانقطع عنه التكييف فاظطروا إلى نقله إلى غرفة أخرى ، فوجدت الفرصة سانحة لنقل أغراضي إليها ، ووضع الإدارة أمام الأمر الواقع لئلا أظطر لأخذ موافقتها ، وكنت أثناء ذلك قد أخذت بطاقة إلكترونية لفتح الباب ... لكنه عاد فطلب غرفته ، وألحّ ، فطلبوا مني إخلاءها ، واحتفظت بالبطاقة معي بعد أن أخبرتهم بضياعها .. أما هذا المخدر الطبي في الإبرة ، فأنت تعرف أن الحال الاقتصادية للبلاد تجعل الرجل يبيع أعضاء جسمه ، لامخدراًَ طبياًَ فقط . ورّبت جميل الرحمن على كتف أحمد وهو يقول :
أحسنت يا أبا المهمات الصعبة .
وانتبه محمود إلى ساعته ، وهو يقول :
لاوقت لدينا ياإخوتي ... هيــا ، وأكثروا من الدعاء ، وذكر الله تعالى ، وأخلصوا النية لله تعالى ، أما أنت ياأحمد فأنهِ حجزك الآن في الاستقبال ، واخرج من هنا بسرعة . • * *
كانت اللحظات حاسمة ، ودقات الساعة تتقدم نحو السابعة ، وفي الساعة الثامنة يحضر عمال خدمات الغرف والتنظيف ، وكلما ضاق الوقت وقعت الأخطاء ... وهنا لامجال للخطأ ...
ترى ماذا لو يكون الجنرال بيكونين قد بلّغ المخابرات الروسية أنه تحت الضغط قد أعطى معلومات عن مجموعة الموساد القادمة هذه ، والتي ينام قائدها ، وهو برتبة عميد في الغرفة ( 504).. ؟!!
أيمكن أن يفعل ذلك ؟!!
كانت الفكرة تجول ولاشك في أذهان الثلاثة الذين خرجوا في هذه اللحظة بلباس عمال الفندق ، يدفع أحدهم أمامه كرسي الإعاقه ، ووضع بدر رأس بطاقة الفتح في الفتحه المخصصة لها ، وقبل أن يدفعها إلى الداخل دارت في ذهنه كل الإحتمالات السيئة ، ومنها احتمال أن تكون العملية قد تحولت إلى كمين سيقع فيه وإخوته بعد لحظات ... ورفع رأسه إلى السماء كأنما يستعين ربه سبحانه ، ثم أغمض عينيه واستنشق كمية من الهواء ، ثم دفع بالبطاقة ، فأحدثت طقة خفيفة ، ثم دفع الباب ، ودخل ، وفي فمه جمله بالانكليزيه سيلفظها إذا فوجئ بالنزيل مستيقظاًَ .. سيقول له : صباح الخير ياسيدي .... لكنه بعد لحظة وجد أنه لاحاجة لهذه الجملة ، فقد كان النزيل يغط في نومه .. وأمسك الباب لئلا ينغلق ، وأخرج رأسه إلى الرواق مشيراًَ إلى صاحبيه بالدخول ...
اقترب الثلاثة من السرير بعد أن أغلقوا الباب خلفهم ، ووضعوا عليه بطاقة نرجو عدم الإزعاج والتي يحترمها العمال في الفنادق الفخمة ، ولايجرؤون على انتهاكها بدخول أو قرع باب ، أو ضجيج ..
وقام محمود بايقاظ النزيل الذي فتح عينيه فوجد الخنجر مشهراًَ قريباًَ من رقبته ، وبإصبعه السبابة أشار إليه محمود بأن يلزم الصمت ، وأذعن ، واقترب منه جميل الرحمن وحقنه بإبرة المخدر ، وماهي إلا لحظات حتى كان غائباًَ عن الوعي .
وما إن بدا مفعول المخدر على النزيل حتى سارع الثلاثة إلى وضعه في عربة الإعاقه ، وانطلق اثنان يدفعانه خارجاًَ ، أما جميل الرحمن فقد تخلف في الغرفة يفتشها علّه يجد شيئاًَ مهماًَ يتعلق بالزيارة ، أو بغيرها ...
لم تكن المهمة سهلة ، وكان بإمكان أي عنصر آخر من الموساد أن يتعرف على العميد الملقة في عربة الإعاقة ، كما كان ذلك ممكناًَ لأي عنصر مخابرات روسية أوكلت له مهمة ضمان أمن المجموعة ، بل أن عمال الاستقبال أيضاًَ يمكن أن يتعرفوا على النزيل .. لذلك عمد محمود وبدر إلى تمويه وجهه بطريقة يصعب معها التعرف عليه ، وألقيا عليه غطاء صوفياًَ موهماًَ أنه وقايه من البرد القارس .
... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:12 am | |
| كان وقع الأرجل على الرخام الأبيض يثير الانتباه في هذه الساعة قليلة الحركة ، وكان أحمد واقفاًَ إلى الجانب الآخر من المكتب الطويل للاستقبال ، وليلفت الانتباه إليه ألقى كأس الماء الذي كان في يده إلى الأرض ثم سقط هو ، وهرع البعض إليه ، وتحولت نحوه الأنظار ، وخرج بدر ومحمود بنزيل الغرفة ( 504) .
كانت السيارة في انتظارهم غير بعيد ، وكانت لحيتا محمود وبدر تثيران الشكوك ، أما أحمد الذي كان الآن يقنع المحيطين به بأن الأمر بسيط ، ولايحتاج إلى إسعاف ، فقد كان أمرد ، لاشكوك حوله .. وكانت السيارة التي ستنقل المجموعة والنزيل هي سيارته ، لذلك لم يكن من الممكن أن يتأخر أكثر عن أصحابه .
قال محمود وهو ينظر نحو مخرج الفندق :
تأخر أحمد .. إن لحانا تثير الشكوك .
قال بدر : أطمئن فإننا نبدو كشيوعيين متعصبين .. إن الله ينصر دينه بالرجل الفاجر ، وبأقوام لا أخلاق لهم .. إن لحى الشيوعيين تنصرنا في هذه اللحظة ، فلا يكاد أحد ينتبه إلى أننا غير ذلك ..تأكــد ياأخي لو أننا في بلد غير شيوعي لكانت مهمتنا أصعب ، ثم نظر بدر إلى النزيل وهو يقول : ملطخ بدماء أبنائنا وإخواننا في فلسطين .. ومستبيح لحرمة المسجد الأقصى .. ياللقذر . وضغط على أسنانه في حنق .
قال محمود : هذا أحمد قد جاء ، وهذا خلفه جميل الرحمن .. يارب سترك وتوفيقك ..
وماهي إلا لحظات حتى كانت السيارة تتعرج بالخمسة في منعطفات جبلية ، ومن مسجّل السيارة المغلقة كانت الآيات القرآنية تنبعث كالسلسبيل نورانية تمتزج بالأرواح الشفافة ..
• * • من قمة الجبل بدت غروزني في هذه الساعات الأولى من الفجر ... متلألئة ... تتوسد أغلالها وتتأمل الأفق ... هادئة كانت ... لاغير غمزات المصابيح التي تخبو ثم تعود للإضاءة بقوة ... ورمقها الصقر عبدالرحمن قائد المجموعة بنظرة فيها الكثير من المعاني ، فهي مدينته ، ولد فيها .. وفيها ولد أجداده ..مسلمة كانت منذ قرون ، ألقى عليها البعض رداءه الأحمر ، لكنها ظلت في ليل الشيوعية الأليل تعلن إسلامها ... وأنها لله لا لقيصر ..
غروزني ملحمة الفداء وملتقى ليوث المجد ، أخت سراييفو ، والقدس ، وقندهار ...
كان الوقت صباحاًَ ، وليس في غروزني صباح ، فكل أوقاتها مساءات للسبي وللقيود ، وللأسى ... وتحرك لسان عبدالرحمن :
لهفي عليك غروزني هذا المساء
فتلفعي بالثلج إن عز الرداء
وتوضئي بالحزن ياأختي التي
عبثت بها أيدي الغزاة الأشقياء
فاقترب منه أو مصعب ووضع يده على كتفه وهو يقول :
إن لم نحررها ، فستأتي أجيال تحررها ، والمهم أن نبقى نقاتل لنورث السلاح ساخناًَ حاراًَ للجيل القادم .. كم سيصمد الذين أخذوا أراضينا وامتهنوا شعوبنا المسلمة ، وعقيدتنا الطيبة في مشارق الأرض ومغاربها ؟ .. كم سيصمدون ؟ عامــاًَ .. عشرة .. قرناًَ ؟ لن ندعهم يستريحون .
قال أبو الوليد :
لكن ألا تظن أن أجيالنا نحن أيضاًَ ستتعب ؟
فرد أبو مصعب :
ومتى استراحت أجيالنا ؟ هم لهم خياران ... أما نحن فلا خيار لنا ، هناك واقع واحد كان دوماًَ قدرنا ، وهو العيش في ظل الاستعمار ، والامتهان .. أيمكن أن تقول لي متى عاش الشعب الفلسطيني مستريحاًَ قبل الانتفاضة ؟ الشعب الفلسطيني كان دائماًَ مذبوحاًَ ، أما في أوقات المقاومة ، فإنه يصير ذابحاًَ ومذبوحاًَ ، ووحدهم الظلمة والمغتصبون من يخسرون إذا ووجهوا بالنار والدمار .. ذلك لأن النار عندهم تقابل الأمن الممكن .. أما الضعفاء فلا أمن عندهم لتكون الحرب بالنسبة لهم خسارة .. الأمر شبيه بجوع الأغنياء المتخمين والفقراء .. الفقراء حياتهم كلها جوع ، لذلك فهم يحسون بشيء من النشوة حين تأتي الظروف التي يجوع فيها معهم الأغنياء المتخمون .
تأملت المجموعة المدينة الحبيبة ، التي يغفي فيها أهلها المسلمون في هذه اللحظة على أحزانهم ، كباراًَ وصغاراًَ .. وتحركت الخطى منحدرة بين الأشجار ، كما لم تكف الألسنة عن حركتها بالدعاء والذكر .
شهق الضوء شهقته الأولى ، وبدأت حبيبات النور تمتزج بالأثير ، وتمسح الظلمة عن الوهاد والنجود ... لحظات عجيبة تلك التي يخرج فيها النهار من صلب الليل ، ضعيفاًَ مغبشاًَ ، ويبدأ يوغل في الظهور حتى يستوي عوده، ويصبح نهاراًَ كاملاًَ بضوئه ووضوحه ..
وأخرج سالم من جيبه ورقة مغلفة بالشريط اللاصق ، وهو يقول :
يا إخوتي هذه وصيتي ، إنها هنا تحت الصخرة ، أضعها هنا فإذا حدث لي شيء ، فخذوها في طريق رجوعكم ، إنني أحس بدماء الشهادة قد ضجت في عروقي .. لقد حضرت عشرات المعارك هنا ، وفي البوسنة وفي أفغانستان .. وما أحسست بهذا الإحساس الذي يتملكني الآن .. إنني أكاد أُحلّـق في عالم آخر ...
كانت الكلمات مؤثرة ، ولم يجد إخوانه كلمة يقولونها له ، لذلك فقد ساد الصمت ، وكن سالم أول من قطعه بوقع خطواته ، وهو يستأنف السير منحدراًَ .. وتبعه إخوانه .. وترامت أصوات محركات تهدر ...
أسْ .. سـْ .. سْ ... ( قالها بعضهم بصوت واحد .. )، وتوقفت الحركة ، وأصخت الآذان موجهة نحو الأسفل ..
كانت الأصوات أصوات شاحنات ، ولم يكن هناك مجال للشك أنها القافلة الموعودة ، لذلك فقد تسارعت الخطى ، واندفع الشباب نحو مقصدهم ، وكانوا كلما تقدموا أكثر ازداد الهدير وضوحا ًَ ..
ووصلوا إلى المكان الذي أختاروه لإقامة الكمين فيه ، مصطبة مشرفة على الطريق ، ولا أسفل من الطريق في الجهة المقابلة سوى الهاوية التي لامنجى منها ولا مهرب من خلالها .
أخذ كل فرد مكانه ، وحبست الأنفاس في انتظار اللحظة الحاسمة ... كانت دقات القلوب تزداد مع دوران عجلات الشاحنات المتتالية التي صارت على مرأى من المتربصين بها ...
حبست الأنفاس ، وتقدمت القافلة ، حتى إذا أحس المجاهدون ورأوا إنها في قلب المصيدة ، انهالوا عليها بزخات من القنابل ، وأمام المفاجأه بدأ جنود العدو يقفزون من الشاحنات ورشاشاتهم تثرثر في كل اتجاه ... وحاولت بعض الشاحنات التحرك ، غير أن تركيز المجاهدين على الشاحنات الأولى التي في رأس القافلة والأخيره التي في ذيلها قد شلّ حركتها وحال دون تقدمها أو تراجعها ..
كانت رشاشات المجاهدين حصاداًَ لايهدأ للجنود الروس الذين علا عويلهم وصراخهم أمام تكبيرات الأُسودِ وهو الموقف .
ورفع عبدالرحمن جهاز المكبر ( الميغافون ) ودعا الجنرال إلى الاستسلام .
كانت غروزني تشاهد الموقف من بعيد ، وتضع يدها على فمها خوفاًَ من أن تنكشف نشوتها ...
وخرج الجنرال تشرنومردن زيغانوف من بين الشاحنات يصرخ :
أنا الجنرال ..
وترنح وهو يأخذ طريقه نحو المصطبة ، تدفعه خطوة إلى الأمام ، وترجع به أخرى إلى الخلف ... كانت الطلقات تتناقص شيئاً فشيئاًَ ، حتى خمدت ، بينما كانت ألسنة النار تلتهم الشاحنات التهاماًَ ...
ورفع القائد عبدالرحمن يده وهو يقول :
أوقفوا إطاق النار ..
وخرج سالم بخفة مذهلة نحو الجنرال يريد استلامه ، فإذا به يخرج من حزامه مسدساًَ ويطلق منه طلقتين باتجاه الشاب الذي بات ليلته بين يدي ربه يتوسل إليه ويدعوه بكل اسم من أسمائه الحسنى أن يرزقه الشهادة ..
كانت المسافة بين المجرم والشهيد لاتتجاوز خمسة أمتار ، وتحسس سالم صدره بيمناه ثم رفعها أمام عينيه ، فإذا هو مهر الجنة .. أحمر قانياًَ .. حاراًَ .. السائل الملتهب الذي طالما أقض مضجع صاحبه وجاء به يقطع الوهاد والنجود ...
كان الجنرال واقفاًَ كخشبة ... وتأمله سالم بنظرة رهيبة ، ثم اقترب منه ، يغالب نهايته ... ومد يديه إلى رقبته فأمسك بها ، وأطبق عليها يخنقه .. وحاول الجنرال أن يدافع نفسه ، لكن اليدين كانتا تضخان آخر مافيهما من عزم ومن قوة ، وتلوّى الجنرال ، غير أن الفتى لم يفلته ، سقط معه على الأرض ، وظل يعصر أوداجه حتى أرداه جثة هامدة .
كان سالم على ركبتيه حين ألقى من يده رأس عدوه ، ثم سجد لله سجدة ، رفع منها والتفت إلى أصحابه ، تأمل وجوههم وهو يبتسم ، ويقول : فزت ورب الكعبة وهوى إلى الأرض ساكناًَ ... | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:14 am | |
| كانت خسائر العدو ثلاثمائة جندي في الأرواح ، مع الكثير من الأسلحة والغنائم ...
التي اهتم المجاهدون بجمعها وألسنتهم لاتكف عن حمد الله تعالى ، وفي تلك الأثناء كان أبو مصعب وأبو الوليد ومعهم القائد عبدالرحمن يقفون على جسد الشهيد الذي عاش حالماًَ ومات مبتسما ًَ .. فقال أبو مصعب وهو يمسح دموعه :
إنه ابن حيّنا ، كان ولدا ًَ صغيراًَ ، أذكره مع الصبيان .. يملأون الحي حيوية ومرحاًَ ... وأذكره حين يدخل المسجد يقطر وجهه وذراعاه من ماء الوضوء ... كان صادقاًَ ... أخلاقه في المسجد هي أخلاقه وهو يلعب الكــرة ، لايعرف التصنع ولايحمل الحقد ... وكانت أمه تحبه ، حدثني بعضهم في رسائلهم إلّي ، أنها قبل موتها بشهور كانت تجلس على عتبة الباب الخارجي ، تنظر نحو الجهة التي قيل لها أن الشيشان فيها .. تتنهد ساهمة ، وربما غلبتها عبراتها إذا سألها عنه أحد ، فتقول وهي تمسح عيونها : كنت أحبه .. واشتقت إليه كثيراًَ .. حينما كان صغيرا ًَ ، كنت أضع رأسه في حجري ، وأمسحه وأفلّيه ... وكنت أتأمل عينيه فأرى فيهما أشياء مخيفة ...
مسح أبو مصعب نهر الماء والملح على خده ، وأضاف :
مافتئت هذه العقيدة تنجب مصعباًَ بعد مصعب .. شباب يترك حياة الرغد ، ورقيق الملبس ، يلتحق بأهوال لجهاد ، ليموت غريباًَ .. لله ما أعظم هذا لدين ، وما أروع أتباعه الصادقين الذين تمثلوه فعلاًَ ...
كانت لفحات البرد تلسع الوجوه البادي بعضها من خلال اللحف ، أما وجه سالم فقد استحال في تلك اللحظة قطعة من فضة .. مشرقة ، باردة ، وتأمله إخوته قبل أن يدفنوه .. واسترجع بعضهم صورته في الليلة السابقة حين كان ساجدا لله تعالى يدعوه ويلحّ ...
دارت عقارب الساعة ... وكانت أنفاس المجاهدين تتراءى كدخان ، نضح بعضهم ماعنده من الماء على سنام القبر ... وتحركت الخطى راجعة من حيث أتت ، ووحده سالم لم يرجع مع إخوانه ، وحدها قدماه التي رسمت في الأرض آثار المجيئ ،وانقطع بها الدرب ... وحده المتروك هنا ... فمن كان يظن أنه يقطع كل هذه الأميال ليدفن في قبر سيطويه الزمان ، ولن يتعرف عليه بعد عقود أحد ... سوى أن صاحبه جاءت به خيول الشوق تضج من بعيد .. حتى إذا بلغت به هذا المبلغ ، رحم الله توقه وشوقه واختاره إليه .
كان الرتل خاشعاًَ .. خطوة .. عشر .. مائة ، كاد القبر يختفي ، استدار أبو مصعب إلى الخلف ، استدار لاستدارته أصحابه .. مسح عينيه ، مسح بعضهم عينيه ، وهم يقولون : رحمه الله وتقبله شهيداًَ
قال أبو الوليد ، وهو يطوق خصر صاحبه أبي مصعب ويشده إليه مسرياًَ عنه :
مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها
مد أبو مصعب يده إلى حيث وضع سالم وصيته ، أخرجها ، تابع السير لاحقا بأصحابه ، فك عنها غطاءها في حذر ورهبة كأنه يفك عن صاحبها أكفانه ، قرأ سطرا ، لم يتمالك نفسه ، قربها من فمه مرتجفاًَ ، قبلها والبكاء يخنقه ، استدار إلى الخلف وهو يقول : بالله كيف أتركك هنا وأرجع ؟
• *
كان القادم من أوروبا يحمل البريد في أقراص ... إذ أن الترتيبات تقتضي كما هو معمول به منذ سنوات طوال ، أن يرسل أهالي المجاهدين رسائلهم إلى ذويهم عن طريق عناوين في بلدان أوروبية ، ويقوم شباب هناك بتنضيد هذه الرسائل على الكومبيتر ، وإدخالها في أقراص ، ثم يحمل القرص الواحد الذي يحتوي على مئات الرسائل والصور والوثائق إلى الشيشان ، وهناك يتم تفريغه وطبعه ، ليتسلم كل مجاهد مايخصه .. ونقل قرص واحد في زمن التكنو لوجيا أسهل من نقل بريد ورقي من مئات الرسائل ...
استلم أبو مصعب رسالته ، ومد يده ساكناًَ ليتسلم رسالة سالم بعد أن سمع اسمه ...
وصلت متأخرة رسالة سالم .. إنها من أخته .. والأخت أمّ في حنانها .. غير أن يد سالم لاتستطيع أن تمتد لتلمس هذا الحنان في هذه الورقة ، كما أن عينه لاماء فيها لتتهجى أحرف الشوق ...
ارتعشت يد أبي مصعب وهو يفتح رسالة سالم .. كانت شقيقته توصيه بأن يهتم بنفسه ، أن يأكل جيداًَ، أن يتدثر من البرد ، وبرقت في عيني أبي مصعب حبتا دمع ... وهو يتمتم :
كان مدللا ًَ ، وحرصوا على تدليله حتى في رسائلهم ... أما بعد اليوم فلا .. ولم يستطع إكمال الجملة .. كان أبو الوليد ينتصب أمامه ، ورفع بصره نحوه وهو يقول : ماالأمر ؟
قال أبو الوليد : وصلتني رسائل عدة من الأهل والإخوه .. ابن أختي الأصغر يقول لهم : عندما أكبر سألتحق بخالي ، يقصدني .. أتعرف ؟ إن سمط الجهاد في هذه الأمه لن ينقطع ، يموت عليه الكبار ويولد عليه الصغار ... وفي فلسطين أكبر دليل على ذلك ، إن هؤلاء الذين أشعلوا المقاومة وبدؤوها كصغار الحطب التي تكون مبدأ النار الكبيرة هم أبناء اليوم ، لم يولدوا قبل 1948 م ولا قبل 1967 م ، لكنهم ولدوا يحملون القضية .. أين يذهب أعداؤنا منا .. ؟ إنهم يظنون أنهم سينعمون بالأمن غداًَ ، ولن يكون ذلك ، فبعد أبي الوليد ، هناك ابن أخت أبي الوليد .. وسنذيقهم الويل ، فويل لهم ...
قال أبو مصعب : وكيف حال الأهل ؟
قال أبو الوليد : الحمد لله ، بنعم وفضل .. مشكور ربك غير مكفور .
قال أبو مصعب : الحمد لله .
كان الليل يقترب حثيثا ًَ وكان الشيخ مروان يقوم مع بعض الشباب بإعداد العشاء ... قال أبو الوليد وهو يكسّر بين أصابعه غصناًَ يابسا ًَ التقطه لتوه من الأرض :
هل من رساله من الأهل ؟ ..
فرد أبو مصعب : أصيب ابني في رجله فانكسرت .. أحس مرارة اللحظة التي وقع فيها الحادث ، لربما لم يجدني أمامه فأحس بالحزن .. أتعرف ؟ منذ أن قرأت الرسالة وقصيدة حزينة تعجن في ضلوعي .. حاولت استلالها من لساني كما تستل الشعرة من العجين ، حاولت استخلاصها من أضلعي كما تستخلص الزبدة من اللبن .. فلم أنجح إلا في بعض أبيات .. وبقي غيرها متمنعا ًَ .
قال أبو الوليد :
وماهي هذه الأبيات ؟ ( وكان أبو الوليد يحب سماع الشعر من أبي مصعب )
وتنهد أبو مصعب تنهيدة عميقة عمق المحيط الهادي ، وعصر جبينه ، ثم نظر إلى الأفق وهو يقول :
بأيّ جناح إليك َ أطير ؟ ومن أيّ سمّ يكون العبور ؟!
وقيل انكسرت ، سلمت فؤادي قلبي ، حبيبـي الصغير
أنا لو قدرت قطعت البحار وجئتك حبوا بدون انتظار
ولكن أبوك له عذره وقد شقّ ياابني عليه المزار
لماذا انكسرت ؟ لما ياولد ؟ وكسّرت قلب غير البلد ؟!
أقلت ( أبـي) حينها ؟ ويلتى لطفل على الأرض دون سند!!
أتذكرُ كنتَ تجيئُ تقول : هنا وجع والدموع تسيل
فألثم أين أشرت هنا فتجري وبأسكَ فوراًَ يزول
فكيف أُقـّّبل تلك القدم وكيف أهدهد فيها الألم ؟
وكيف سألمسها حانياًَ وأمسح فيها ازرقاق الورم ؟
أنا الآن في البعد شبه أسير فمن ذا سيلثم تلك الكسور ؟
إلى من ستشكو يقبّلها ؟ لك الله ياابني ونعم النصير
فماذا سأكتب ؟ ذاك يطول ويفنى بذاك مداد السيول
ومامن طريق إليك فعذرا وحسبيَ ربي ونعم الوكيل
في تلك الليله كان هناك شي متميز ، ليس جديداًَ ، لكنه لايحدث إلا لماماًَ ، كان هناك صمت ، وتبادل لنظرات تعني الكثير ... هل هو موت سالم ؟!!
أم هي الرسائل التي يقرأها المجاهدون الغرباء هنا مرات ومرات ؟
أهوا لشوق حين يتحرك ؟
ليكن كل ذلك ، غير أنهم باعوا وانتهى الأمر .. سمعوا نداء العرض ( يأيها الذين ءامنوا هل أدلكم على تجرة تنجيكم من عذاب أليم )
فباعوا دفئ الأُ سَر ، ولمسة حنان الأمهات ، وأشواق الشقيقات ، ودموع الآباء على كبر ، وأحزان الأبناء في ليالي العيد .. وباعوا أنفسهم .
وسط الصمت رفع الشيخ مروان صوته بقوله :
جنة عرضها السموات والأرض .. ألا تستأهل هذا القطمير من الجهد والتضحية ؟! .. حدثوني إذن عن بلال وعمار وسمية وخباب .. وحدثوني عن نومكم وأكلكم وشربكم بين أهاليكم وديار الإسلام تحتل ، والمساجد تداس ؟ ولنساء تستغيث ...
واهتز السكون بتكبيرة من أبي الوليد .. تلتها تكبيرات عدة شقّت صدر الصمت .. وابتسم أبو مصعب وهو يقول :
الحمدلله على نعمة الإسلام .
. | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:15 am | |
| بقي ا لأخير وندخل المنطقة الآمنة قال محمود ، وهو ينظر في المرآة الأمامية إلى حاجز الشرطة الذي اجتازوه ، ثم سأل أحمد الذي كان يركب في الخلف :
أما زال الخنزير نائماًَ .. ؟
وردّ أحمد بالإيجاب .
كانت السيارة تسير بسرعة كبيرة ، إذ لم يكن من الممكن إضاعة الوقت ، خاصة وأن سر اختفاء نزيل الغرفة 504 لن يدوم طويلاًَ .. ومد جميل الرحمن يده إلى المذياع ، فضغط زراًَ فيه ، وأدار زراًَ آخر : أش ش _ ش ، قالها الكل وهو يوجه أذنه نحو مصدر الصوت .. وزاد المذيع :
ويجري البحث الآن ، رغم أنه لم يمر من الوقت مايعد معه المعني مفقوداًَ .. هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشخص محل البحث ، مجرد مرافق اسعاف للّجنة التي تزور بلادنا ..
قال بدر :
إنهم يريدون إيهامنا أنه غير مهم ، على كل المسألة فيها قولان ، واستجواب المعني يرجح .
قال أحمد :
يجب أن تعلموا أننا الآن أمام مشكلة حقيقية ، فالخبر أذيع ، وإخفاء إنسان في سيارة أمر غير ممكن .. ولاشك أن الأمر لن يكون سهلاًَ في الحاجز القادم ..
وسأله بدر :
وكم يبعد هذا الحاجز من هنا ؟
قال محمود :
قرابة الكيلومترين
وبعدها ؟ قال بدر ..
بعدها سنكون في مأمن رد محمود ، لكن لاتكن زبيباًَ قبل أن تتحصرم ..
قال بدر :
هل أنوب عنك في السياقة وأتحمل مسؤوليتي ؟!!
قال محمود :
الأمر ليس في سهولة شرب الماء .
قال بدر :
لاعليكم وبإذن الله سننجو ..
على اليمين توقفت السيارة ، ونزل منها بدر ليأخذ مكان محمود ، في لحظات كهذه يحس المرء أن في رقبته أمانة أمة يجب أن يؤديها ، لذلك يكون الحرص على النجاح أكبر .
كانت انطلاقة السيارة تدل على أن سائقها مغامر قديم ، وله مع القيادة تاريخ .. كان صوت السديس ب _ طه يتغلغل في النفس ، ويمتزج بالروح نورانياًَ، مريحاًَ .. ومد محمود يده فخلع نظارات بدر ثم مدها إلى وجه أحمد فخلع نظاراته وهو يقول :
النظارات مثيرة للريبة والفضول ، لأنها تخفي شيئاًَ خلفها .. ورجال الشرطة لايحبون أن يخفى عليهم شيء ..
وابتسم بدر ، ورفع عينيه إلى المرآه فرأى الجالسين خلفه يبتسمان ، وكان الجنرال تحت تأثير المخدر لايتحرك .
من بعيد بدا حاجز الشرطة ، وتحركت الشفاه تدعــو ... وقرأ جــميل الــرحمن : ( وجعلنا من بين أيديهم ســداًَ ومن خلفهم ســداًَ فأغشينهم فهم لايبصرون )، ولم يكن يعلم مايدور في رأس بدر الذي خفف من سرعة السيارة وبدأ يوجهها نحو المكان الذي أشار له الشرطي بالتوقف فيه على اليمين .
كان هناك خمسة رجال من الشرطة فيما يبدو ، اثنان في سيارة متوقفة جانبا ًَ ، وثلاثة واقفون على الحاجز ، وبحركة مذهلة سريعة صعّد بدر من سرعة السيارة ، واقتحم بها الحاجز ، فأردى شرطيين ، وكان الثالـث أسرع إلى الرصيف فتحاشـى الصدمة ، ومرقت السيارة مروق السهم ، وكان لعجلاتها مع الأرض أصوات وأصوات .
انطلقت رصاصات من سيارة الشرطة المتوقفه ... ورد عليها محمود برشاش أخرج ماسورته من خلال الزوجاج ، وماهي إلا دقائق حتى كانت السيارة تنعطف يميناًَ وتأخذ طريقاًَ جبلياًَ غير مزفت .. يبدو متعرجاًَ وصعباًَ .. كانت الألسنة لاتكف عن حمد الله تعالى .. وكان الذي يهم الشباب أكثر هو إنجاز المهمة بنجاح ، وإيصال هذا الذي قيل عنه في نشرة الأخبار خبير إسعاف ، وهو في الحقيقة ضابط سام في الموساد وقائد للمجموعة ، إلى الذين طلبوه .
وتعالت الضحكات حين قال جميل الرحمن عن بدر :
أهذا جني ؟
فرد عليه أحمد : كأنه هو ..
ولعل أثر المخدر قد بدأ يخف في تلك اللحظة عن المخطوف ، فبدأ يتململ كأنه يخرج من تحت ركام ثقيل ، وفتح عينيه ، وذهل .. هل كان يظن أنه سيفتح عينيه على السقف الجميل للغرفة رقم 504 مثلاًَ .. ؟!!
برعشة وحركات تدل على الرعب استدار الجنرال يميناًَ ويساراًَ ليلقي النظرة الأولى على اللذين يجلسان إلى جانبه .. وضرب جبينه بكف يده اليسرى ... لقد علم أنه وقع .. وأن الأمر لن يكون سهلاًَ .. خاصة وأن الشعب الفلسطيني المسلم يتعرض إلى أبشع أنواع التنكيل ..
الموساد .. هذا لجهاز القذر الذي يمد أذرعه الأخطبوطية في كل مكان .. هكذا قال جميل الرحمن في نفسه ، ثم توجه إلى المخطوف يسأله :
حتى هنا .. جئتم ليكون لكم موضع قدم ؟ لماذا لا تتركون حرباًَ ضد الإسلام والمسلمين إلا وتشعلونها ، أو تساعدون على إشعالها ؟!! لماذا أيها الأوغاد ، وأنتم حفنة ، تجعلون أمة كاملة تدفع الثمن غاليا ًَ .. من دينها ، وأمنها ، وأخلاقها ، ومصيرها ؟!!
كان المخطوف مطأطئ الرأس ، ينظر إلى محدثه من جنب ، نظرة فيها المكر والمذلة ...
ومن خلف الأشجار والصخور كان الحرس المجاهدون يخرجون مسلّمين بعد أن يتأكدوا أن من في السيارة إخوانهم ..
ونزل جميل الرحمن ، ثم تلاه محمود يمسك بالمخطوف من يديه المقيدتين خلفه ...
كان الرجوع المظفر يشيع على الوجوه مسحة من الرضى ...
ومن خيمته خرج القائد عبدالرحمن وهو يقول :
الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات .
• *
في الغرفة السوداء التي يرتسم على أرضيتها رمز المخابرات الروسية الـ KJB كان الجنرال ل. ليفيتش المسؤول عن الملف الأفغاني يعلن عن إنهاء الاجتماع وهو يسلم إلى أحد الضباط بجانبه علبة مختومة ، ويقول :
حسبما اتفقنا ، يجب أن يستلمها قبل 18 ساعة وإلا ضاع كل شي ، الخطأ غير مسموح به ، والتأخر خطأ .. لقد رتبنا لكل شيء .
وطأطأ الضابط رأسه وهو يستلم العلبة وقال :
بالتأكيد ياسيدي .. ستكون عنده قبل الموعد . • * | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:17 am | |
| رنَّ الهاتف المحمول في يد القائد خطاب رنــات عدة .. وتطلع إلى الرقم ، فعلم أنها مكالمة خارجية ، وللتو ضغط زر فتح الخط ، وهو يقول :
- السلام عليكم .
كان صوت الأخ مسعود من أوروبا ، كما كان دائماًَ جهورياًَ .. له رنّته المميزة :
كيف حالكم ؟
الحمدلله ، بنعم .
يصلك الأخ عبدالغفور ، يحمل رسالة تلقيناها من عائلتكم .. يصل اليوم مسـاء إليكم .. انتظروه في المكان المعهود ، لقد وصفته له ، وسيستدل عليه .
والكلمة ؟
( المثنّى يعبر .. )
طيّب .. اتفقنـا ، سأرسل من يستقبله .
لقد كلمني من الحدود الروسية ، قد يحتاج إلى خمس ساعات للوصول إليكم .
طيب .. طيب .. السلام عليكم .
وضغط خطاب الزر ، وأعــاد الجهاز إلى مكانه في حزامه .. وهو يقول لعبداييف :
يصلنا شخص من أوروبا في مهمة .. أرسلوا من يستقبله في جهة محطة البنزين الكبرى في غروزني .
• * *
كانت عدسة الكاميرا موجهة إلى المخطوف الإسرائيلي جالساًَ على الأرض ، وقد قام خلفه شابان ملثمان يحملان رشاشين .. وجلس القائد عبد الرحمن قبالة المخطوف قريباًَ منه ، وإلى جانبه أسامة ، المختص في الملف الإسرائيلي _ الروسي ، كان الوقت مسـاءًَ ، انقضت فيه صلاة العصر ... وتحلق قــادة المجموعة يحضرون الاستجواب ... أما بقية المجاهدين فقد صُرفوا لأعمال شتــى ، إذ إن الإجراءات الأمنية تمنع تواجدهم .
كان المخطوف دون قيود ، يفترش حصيراًَ ، وابتدره أسامه بسؤال :
لماذا أنتم هنا ؟
لاعلم لي ، أنا مجرد صحفي أرافق المجموعة .
قال أبو الوليد :
- وبدأ الكذب والمراوغة ، لماذا لاتأخذون بنصيحة أزرق اليمامة : تخرجون لسانه وتذبحونه ذبح السلحفاة ؟
ونظر إليه القائد عبدالرحمن نظرة جادة فعاد إلى صمته .
قال أسامة وهو يوجه كلامه إلى المخطوف :
_ سأختصر عليك الطريق ، وأقرأ جزءاًَ من المعلومات عنك ، وتناول من أحد الحاضرين كومبيوتراًَ محمولاًَ ، وراح يداعب أزراره بأنامله باقتدار مذهل ، ثم قال :
_ نعم هو ذا .. العميد جوزيف درعي ، 52 سنة ، عميد في الموساد ، صاحب نظرية الاستيعاب بالردع ا لمدني المقدمة إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية في بداية التسعينات ، الأصول : من يهود الخزر ، أي لست يهوديا ًَ أصليا ًَ ، مملكة أجدادك القديمة كانت قريبا ًَ من هنا ، أي في القسم الجنوبي من روسيا ، بين نهر الغولف ، والدون ، ممتدة حتى شواطئ البحر الأسود وبحر قزوين .. عشت في تشيكوسلوفاكيا قبل أن تنتقل مع عائلتك إلى إسرائيل في بداية الستينيات .. وكما أسلفت فأنت الآن عميد في الموساد .. أيكـفي هذا أم أزيد ؟
وأغمض العميد عينيه في حنق ، ثم ضرب الأرض بقبضته وهو يضغط بأسنانه ضغطاًَ يدل على أنه اكتشف أنه وقع فعلا ًَ ... وأن الأفق مسدود أمامه ، ورفع رأسه وهو يقول :
_ هو كذلك .
_ إذن أنت قائد المجموعة ؟ _ نعم .
_ لماذا حضرتم إلى هنا ؟
هناك تخطيط إسرائيلي لتوسيع دائرة الحرب والردع في المنطقة ليشمل دولاًَ أخرى .. بالنسبة لأمريكا لامانع عندها ، خاصة وأننا سنضرب هذه الدول بتهمة دعم الإرهاب ، وهو الشعار الذي ترفعه واشنطن منذ 11 أيلول 2001 وتعتبره من يحارب في ظله حليفاًَ لها .. بقي علينا إقناع روسيا بأمرين : غض الطرف عما سنفعله ، وثانياًَ عدم بيع السلاح لهذه الدول التي سنستهدفها .
قال أسامة :
وبالنسبة لنا .. ؟ أقصد الملف الشيشاني ؟
قال العميد :
_ جاءت المجموعة لتقدم لروسيا هدية بسيطة ، لتد لل لها على القوة الاستخباراتية الإسرائيلية .. فإذا هي قبلت العرض وأعطتنا الضوء الأخضر ، ساعدناها على القضاء على المقاومة الشيشانية ..
قال أسامة : _ ماذا تقصد بالهدية .. ؟
_ رأس القائد خطاب ..
_ خطاب ؟ .. كيف ؟
_ هناك خطة لتسميمه ..
_ متى ؟
_ أظن أنه قد فات الأوان ..
_ كيف .. ؟ كيف .. كيف .. ؟
كان أسامه ينهال بالسؤال المصيري .. كيــف ؟ وودّ لو أنه انهال على رأس عميد الموساد بضربات من أخمس بندقيته ، فأرداه جيفة هامدة ..
قال العميد : _ دعوني الآن استريح ، وبعد الراحة أخبركم ..
قال عبدالرحمن :
_ تستريح وأخونا في خطر ؟ والله لايغمض لك جفن حتى تقول ماعندك .. أم أنك تريد رصاصة في الفم ؟ هيا تكلم .. وقام القائد عبدالرحمن ، فأخرج مسدسه من حزامه ..
وماكــاد المترجم ينهي ترجمة مــاقاله القائد عبدالرحمن ، حتى كان العميد يرتجف فرقـاًَ وهو يشير بيده إلى القائد :
_ لا بأس .. لا بأس .. سأقول ماتريد .
قال أسامة : _ تكـلم .
قال العميد :
_ كانوا يراقبون اتصالاته الهاتفية ، وجاؤوا بمقلد أصوات ، وكانت الخطة أن يكلمه من أوروبا على أنه مسعود أحد أصدقائه هناك ، وأخبره أنه أرسل إليه رسالة مع أحد الشباب .. الرسالة مسمومة ، وسيكون خطاب بعد ربع ساعة من لمسها هامدا ًَ دون حراك ..
قال أسامة :
متى ستسلم الرسالة .. ؟
قال العميد :
اختطفتموني قبل الاجتماع مع ال _ KJB، كل شي من توقيت وغيره من تفاصيل تنفيذ ، يتوقف على ذلك الاجتماع ، الخطأ خطؤكم ، كــان من الممكن أن تؤجلوا خطفي يومين .
وكــالملسوع هبّ القائد عبدالرحمن ، وهو يقول :
إليّ ببدر
• * * | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:18 am | |
| رنَّ الهاتف المحمول في يد القائد خطاب رنــات عدة .. وتطلع إلى الرقم ، فعلم أنها مكالمة خارجية ، وللتو ضغط زر فتح الخط ، وهو يقول :
- السلام عليكم .
كان صوت الأخ مسعود من أوروبا ، كما كان دائماًَ جهورياًَ .. له رنّته المميزة :
كيف حالكم ؟
الحمدلله ، بنعم .
يصلك الأخ عبدالغفور ، يحمل رسالة تلقيناها من عائلتكم .. يصل اليوم مسـاء إليكم .. انتظروه في المكان المعهود ، لقد وصفته له ، وسيستدل عليه .
والكلمة ؟
( المثنّى يعبر .. )
طيّب .. اتفقنـا ، سأرسل من يستقبله .
لقد كلمني من الحدود الروسية ، قد يحتاج إلى خمس ساعات للوصول إليكم .
طيب .. طيب .. السلام عليكم .
وضغط خطاب الزر ، وأعــاد الجهاز إلى مكانه في حزامه .. وهو يقول لعبداييف :
يصلنا شخص من أوروبا في مهمة .. أرسلوا من يستقبله في جهة محطة البنزين الكبرى في غروزني .
• * *
كانت عدسة الكاميرا موجهة إلى المخطوف الإسرائيلي جالساًَ على الأرض ، وقد قام خلفه شابان ملثمان يحملان رشاشين .. وجلس القائد عبد الرحمن قبالة المخطوف قريباًَ منه ، وإلى جانبه أسامة ، المختص في الملف الإسرائيلي _ الروسي ، كان الوقت مسـاءًَ ، انقضت فيه صلاة العصر ... وتحلق قــادة المجموعة يحضرون الاستجواب ... أما بقية المجاهدين فقد صُرفوا لأعمال شتــى ، إذ إن الإجراءات الأمنية تمنع تواجدهم .
كان المخطوف دون قيود ، يفترش حصيراًَ ، وابتدره أسامه بسؤال :
لماذا أنتم هنا ؟
لاعلم لي ، أنا مجرد صحفي أرافق المجموعة .
قال أبو الوليد :
- وبدأ الكذب والمراوغة ، لماذا لاتأخذون بنصيحة أزرق اليمامة : تخرجون لسانه وتذبحونه ذبح السلحفاة ؟
ونظر إليه القائد عبدالرحمن نظرة جادة فعاد إلى صمته .
قال أسامة وهو يوجه كلامه إلى المخطوف :
_ سأختصر عليك الطريق ، وأقرأ جزءاًَ من المعلومات عنك ، وتناول من أحد الحاضرين كومبيوتراًَ محمولاًَ ، وراح يداعب أزراره بأنامله باقتدار مذهل ، ثم قال :
_ نعم هو ذا .. العميد جوزيف درعي ، 52 سنة ، عميد في الموساد ، صاحب نظرية الاستيعاب بالردع ا لمدني المقدمة إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية في بداية التسعينات ، الأصول : من يهود الخزر ، أي لست يهوديا ًَ أصليا ًَ ، مملكة أجدادك القديمة كانت قريبا ًَ من هنا ، أي في القسم الجنوبي من روسيا ، بين نهر الغولف ، والدون ، ممتدة حتى شواطئ البحر الأسود وبحر قزوين .. عشت في تشيكوسلوفاكيا قبل أن تنتقل مع عائلتك إلى إسرائيل في بداية الستينيات .. وكما أسلفت فأنت الآن عميد في الموساد .. أيكـفي هذا أم أزيد ؟
وأغمض العميد عينيه في حنق ، ثم ضرب الأرض بقبضته وهو يضغط بأسنانه ضغطاًَ يدل على أنه اكتشف أنه وقع فعلا ًَ ... وأن الأفق مسدود أمامه ، ورفع رأسه وهو يقول :
_ هو كذلك .
_ إذن أنت قائد المجموعة ؟ _ نعم .
_ لماذا حضرتم إلى هنا ؟
هناك تخطيط إسرائيلي لتوسيع دائرة الحرب والردع في المنطقة ليشمل دولاًَ أخرى .. بالنسبة لأمريكا لامانع عندها ، خاصة وأننا سنضرب هذه الدول بتهمة دعم الإرهاب ، وهو الشعار الذي ترفعه واشنطن منذ 11 أيلول 2001 وتعتبره من يحارب في ظله حليفاًَ لها .. بقي علينا إقناع روسيا بأمرين : غض الطرف عما سنفعله ، وثانياًَ عدم بيع السلاح لهذه الدول التي سنستهدفها .
قال أسامة :
وبالنسبة لنا .. ؟ أقصد الملف الشيشاني ؟
قال العميد :
_ جاءت المجموعة لتقدم لروسيا هدية بسيطة ، لتد لل لها على القوة الاستخباراتية الإسرائيلية .. فإذا هي قبلت العرض وأعطتنا الضوء الأخضر ، ساعدناها على القضاء على المقاومة الشيشانية ..
قال أسامة : _ ماذا تقصد بالهدية .. ؟
_ رأس القائد خطاب ..
_ خطاب ؟ .. كيف ؟
_ هناك خطة لتسميمه ..
_ متى ؟
_ أظن أنه قد فات الأوان ..
_ كيف .. ؟ كيف .. كيف .. ؟
كان أسامه ينهال بالسؤال المصيري .. كيــف ؟ وودّ لو أنه انهال على رأس عميد الموساد بضربات من أخمس بندقيته ، فأرداه جيفة هامدة ..
قال العميد : _ دعوني الآن استريح ، وبعد الراحة أخبركم ..
قال عبدالرحمن :
_ تستريح وأخونا في خطر ؟ والله لايغمض لك جفن حتى تقول ماعندك .. أم أنك تريد رصاصة في الفم ؟ هيا تكلم .. وقام القائد عبدالرحمن ، فأخرج مسدسه من حزامه ..
وماكــاد المترجم ينهي ترجمة مــاقاله القائد عبدالرحمن ، حتى كان العميد يرتجف فرقـاًَ وهو يشير بيده إلى القائد :
_ لا بأس .. لا بأس .. سأقول ماتريد .
قال أسامة : _ تكـلم .
قال العميد :
_ كانوا يراقبون اتصالاته الهاتفية ، وجاؤوا بمقلد أصوات ، وكانت الخطة أن يكلمه من أوروبا على أنه مسعود أحد أصدقائه هناك ، وأخبره أنه أرسل إليه رسالة مع أحد الشباب .. الرسالة مسمومة ، وسيكون خطاب بعد ربع ساعة من لمسها هامدا ًَ دون حراك ..
قال أسامة :
متى ستسلم الرسالة .. ؟
قال العميد :
اختطفتموني قبل الاجتماع مع ال _ KJB، كل شي من توقيت وغيره من تفاصيل تنفيذ ، يتوقف على ذلك الاجتماع ، الخطأ خطؤكم ، كــان من الممكن أن تؤجلوا خطفي يومين .
وكــالملسوع هبّ القائد عبدالرحمن ، وهو يقول :
إليّ ببدر
• * * | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:19 am | |
| كانت الساعة الثانية والنصف حين وصل بدر .. ترك باب السيارة مفتوحاًَ وجرى نحو المعسكر وهو ينادي :
الرسالة مسمومة يا قائد خطاب لاتلمسها .. الرسالة مسمومة ، لاتعطوها للقائد .. إنها مسمومة .
وتوقف بدر عن الجري فجأة حين رأى المشهد ..
كان خطاب مسجى بين أصحابه ، يده اليمنى على اليسرى كأنه قائم في الصلاة ، لحيته تغطي صدره وحوله ذارفوا الدمع المحبين من إخوانه .. هؤلاء الذي يذكر بعضهم يوم جاءهم بركانا ًَ من الحماس والنشاط ، رائع الدعابة ، خجولا ًَ ، شديدا ًَ على الأعداء .. رحيما ًَ بإخوانه .
ترى هل أحست أمه في هذه اللحظة _ ولقلب الأم إحساس خاص _ أن ابنها قد خمدت أنفاسه في هذه الحياة الفانية ؟
هل أحس الذين أحبوه بحبهم الجهاد من الشباب المسلم في مشارق الأرض ومغاربها أن أخاهم القائم على ثغر النار قد ترك رشاشه مكرها ًَ .. ؟
كانت اللحظات شديدة .. غريب آخر سيودع في تراب هذه الأرض البعيدة .. جاء يسعى ، حاديه نبض قلبه العامر بحب الجهاد ، وعطره النقع الذي تثيره فرس شوقه في الوهاد والنجود التي يقطعها ..
جثا بعض إخوته على ركبهم إلى جانبه ممدّدا ًَ .. تأملوه .. لمسوه ... مسح أحدهم تلك اليد المقطوعة الأصابع التي طالما أقضّت مضاجع الأعداء وهي تحتضن الرشاش .. وقال :
كان قريبا ًَ من المستحيل ، مدهشا ًَ ، قريبا ًَ من اللا ممكن ، ثم أنشد :
لماذا نقاوم فيك الذهولا
ولاممكن العصر والمستحيلا ؟!
ولسنـــا نصدق أنك مت ّ
لأنك كنت احتمالا ًَ جميلا ًَ
مات إذن خطاب .. مات الأسد الذي عرفته هذه الأرض يخط بعمره أسفار البطولة ، ومتون التضحية ..
مات دون أن يقول شيئا ًَ ..
قال بدر وهو يسأل أحدهم : كيف حدث ذلك ؟
سلمه الخائن الرسالة ، قرأها مبتسما ًَ ثم لثم سطورها ، رقة المسلم تلك ،وهو يرى سطورا ًَ حبرتها أيدي أناس أحبهم .. ووقعت من عينيه دمعة .. مسحها ثم قام لئلا نراه دامعا ًَ .. خجول كما كان دائما ًَ _ رحمه الله _ وخرج من باب الخيمة ، اعتصره الألم ، تشهد وهو على ركبتيه ينظر إلى السماء .. ثم نظر إلينا مليا ًَ .. لم يقل شيئا ًَ .. تأملنا واحدا ًَ واحدا ًَ .. وأسند رأسه إلى الأرض ثم مات .. رحمه الله .
أنزل قبره .. ورمقته العيون .. لم يصدق الكثيرون .. نزلت معه في الظلمة بعض من دمعات إخوانه .. كانوا يحبونه ، لم تكن في تلك الدمعات دمعة أم أو أب أو أخت ... مات غريبا ًَ .. كما عاش ، فطوبى للغرباء .
قال الشيخ عوف وهو يقطع الصمت الذي خيّم على الرؤوس المطرقة التي تسمرت عيونها بالقبر :
طوبى لكم .. وقد اخترتم ظهور خيول الشوق تطير بكم بين الثغور في فجاح الأرض البعيدة
فتقتُلون وتُقتلون .. طوبى لأكفكم المحروقة من الجمر التي تقبضون عليه .....
• * * | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:20 am | |
| نعم هنا ختم اخانا رواية خيول الشوق ياأحبه
ولكن مازالت خيول الشوق تثير غبار حبها للجهاد
مادامت دماء أحبتنا ساخنة !
. .
اللهم انصر أحبتنا وإخواننا على ثغور الجهاد ... اللهم كن معهم ... وبلغنا منازلهم اللهم فك قيد أسرى المسلمين وأملأ قلوبهم بردا وسلاما وايمانا بك وثقة بلطفك ونصرك ... اللهم زلزل الأض من تحت أقدم اعدائك واعدائهم ...
تذكروني بدعوة في ظهر الغيب لعلها تكون حجة لي امام ربي يوم لقائه
فالجسد والروح قد أثقلتها الذنوب .. والتقصير بحق ربي | |
|
| |
نبض الاحساس صدى نادر
عدد الرسائل : 178 العمل/الترفيه : طالبه رقم العضوية : 34 مزاجي : الدولة : : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا السبت يونيو 07, 2008 11:21 am | |
| واخيراً خلصت رواية خيول الشوق انتظر تفاعلكم.. | |
|
| |
ملسونة بس مزيونة مشرفة¸…હહ آفـلام انمي صور انمي آفـلامـ كرتون ..][ Anime cartoon ][ ¸…હ
عدد الرسائل : 78 العمل/الترفيه : طالبة رقم العضوية : 25 مزاجي : الدولة : احترامك لقوانين المنتدى : : تاريخ التسجيل : 18/04/2008
| موضوع: رد: تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا الإثنين يوليو 07, 2008 11:34 am | |
| | |
|
| |
| تبي روايه وما لقيتها..؟ تبي قصه وما حصلتها..؟ خش هناا | |
|